الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج ***
المتن: لِيُسَوِّ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ فِي دُخُولٍ عَلَيْهِ، وَ قِيَامٍ لَهُمَا، وَاسْتِمَاعٍ، وَطَلَاقَةِ وَجْهٍ، وَجَوَابِ سَلَامٍ وَمَجْلِسٍ، وَالْأَصَحُّ رَفْعُ مُسْلِمٍ عَلَى ذِمِّيٍّ فِيهِ.
الشَّرْحُ: [ فَصْلٌ ] فِي التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ وَمَا يَتْبَعُهَا (لِيُسَوِّ) الْقَاضِي حَتْمًا عَلَى الصَّحِيحِ (بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ فِي دُخُولٍ عَلَيْهِ) فَلَا يَدْخُلُ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْآخَرِ، بَلْ يَأْذَنُ لَهُمَا فِي الدُّخُولِ. تَنْبِيهٌ: الْخَصْمُ بِفَتْحِ الْخَاءِ وَسُكُونِ الصَّادِ يَسْتَوِي فِيهِ الْوَاحِدُ وَالْجَمِيعُ وَالْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ، وَمِنْ الْعَرَبِ مَنْ يُثَنِّيهِ وَيَجْمَعُهُ وَمَشَى الْمُصَنِّفُ عَلَى التَّثْنِيَةِ هُنَا، وَعَلَى الْجَمْعِ فِي قَوْلِهِ بَعْدَ: وَإِذَا ازْدَحَمَ خُصُومٌ. أَمَّا الْخَصِمُ بِكَسْرِ الصَّادِ، فَهُوَ الشَّدِيدُ الْخُصُومَةِ (وَ) فِي (قِيَامٍ لَهُمَا) فَيَقُومُ لَهُمَا أَوْ يَتْرُكُ، وَكَرِهَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ الْقِيَامَ لَهُمَا جَمِيعًا؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا قَدْ يَكُونُ شَرِيفًا وَالْآخَرُ وَضِيعًا، فَإِذَا قَامَ لَهُمَا عَلِمَ الْوَضِيعَ أَنَّ الْقِيَامَ لِأَجْلِ خَصْمِهِ فَيَزْدَادُ الشَّرِيفُ تِيهًا وَالْوَضِيعُ كَسْرًا، فَتَرْكُ الْقِيَامِ لَهُمَا أَقْرَبُ إلَى الْعَدْلِ قَالَ: فَلَوْ دَخَلَ الْخَصْمُ ذُو الْهَيْئَةِ فَظَنَّ الْحَاكِمُ أَنَّهُ لَيْسَ بِمُحَاكَمٍ فَقَامَ لَهُ فَلْيَقُمْ لِخَصْمِهِ أَوْ يَعْتَذِرْ بِأَنَّهُ قَامَ لِلْأَوَّلِ وَلَمْ يَشْعُرْ بِكَوْنِهِ خَصْمًا. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: إنْ كَانَ الْآخَرُ مِمَّنْ يُقَامُ لَهُ قَامَ وَإِلَّا اعْتَذَرَ (وَاسْتِمَاعٍ) لِكَلَامِهِمَا وَنَظَرٍ إلَيْهِمَا (وَ) فِي (طَلَاقَةِ وَجْهٍ) لَهُمَا (وَ) فِي (جَوَابِ سَلَامٍ) مِنْهُمَا إنْ سَلَّمَا مَعًا وَلَا يَرُدُّ عَلَى أَحَدِهِمَا وَيَتْرُكُ الْآخَرَ، فَإِنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ أَحَدُهُمَا انْتَظَرَ الْآخَرَ أَوْ قَالَ لَهُ سَلِّمْ لِيُجِيبَهُمَا مَعًا إذَا سَلَّمَ. قَالَ الشَّيْخَانِ: وَقَدْ يَتَوَقَّفُ فِي هَذَا إذَا طَالَ الْفَصْلُ وَكَأَنَّهُمْ احْتَمَلُوا هَذَا الْفَصْلَ لِئَلَّا يَبْطُلَ مَعْنَى التَّسْوِيَةِ. فَإِنْ قِيلَ: مَا ذَكَرَاهُ هُنَا لَا يُوَافِقُ مَا جَزَمَا بِهِ فِي السِّيَرِ مِنْ أَنَّ ابْتِدَاءَ السَّلَامِ سُنَّةُ كِفَايَةٍ، فَإِذَا حَضَرَ جَمْعٌ وَسَلَّمَ أَحَدُهُمْ كَفَى عَنْ الْبَاقِينَ. أُجِيبَ بِأَنَّهُمْ ارْتَكَبُوا ذَلِكَ هُنَا حَذَرًا مِنْ التَّخْصِيصِ وَتَوَهُّمِ الْمَيْلِ (وَ) فِي (مَجْلِسٍ) لَهُمَا بِأَنْ يَجْلِسَهُمَا بَيْنَ يَدَيْهِ أَوْ أَحَدَهُمَا عَنْ يَمِينِهِ وَالْآخَرَ عَنْ يَسَارِهِ وَالْجُلُوسُ بَيْنَ يَدَيْهِ أَوْلَى، وَمِثْلُ مَا ذَكَرَهُ سَائِرُ أَنْوَاعِ الْإِكْرَامِ فَلَا يَخُصُّ أَحَدَهُمَا بِشَيْءٍ مِنْهَا، وَإِنْ اخْتَلَفَا بِفَضِيلَةٍ غَيْرِهَا وَلَا يَرْتَفِعُ الْمُوَكِّلُ عَلَى الْوَكِيلِ وَالْخَصْمِ؛ لِأَنَّ الدَّعْوَى مُتَعَلِّقَةٌ بِهِ أَيْضًا بِدَلِيلِ تَحْلِيفِهِ إذَا وَجَبَتْ يَمِينٌ حَكَاهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ الزَّبِيلِيِّ وَأَقَرَّهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ: وَهُوَ حَسَنٌ، وَالْبَلْوَى بِهِ عَامَّةٌ، وَقَدْ رَأَيْنَا مَنْ يُوَكِّلُ فِرَارًا مِنْ التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَصْمِهِ، وَلِيُقْبِلْ عَلَى الْخَصْمَيْنِ بِقَلْبِهِ وَعَلَيْهِ السَّكِينَةُ بِلَا مَزْحٍ وَلَا تَشَاوُرٍ وَلَا نَهْرٍ وَلَا صِيَاحٍ مَا لَمْ يَتْرُكَا أَدَبًا وَيُنْدَبُ أَنْ يَجْلِسَا بَيْنَ يَدَيْهِ لِيَتَمَيَّزَا وَلِيَكُونَ اسْتِمَاعُهُ إلَى كُلٍّ مِنْهُمَا أَسْهَلَ، وَإِذَا جَلَسَا تَقَارَبَا إلَّا أَنْ يَكُونَا رَجُلًا وَامْرَأَةً غَيْرَ مَحْرَمٍ فَيَتَبَاعَدَانِ (وَالْأَصَحُّ) وَعَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ بِالصَّحِيحِ (رَفْعُ مُسْلِمٍ عَلَى ذِمِّيٍّ فِيهِ) أَيْ الْمَجْلِسِ كَأَنْ يَجْلِسَ الْمُسْلِمُ أَقْرَبَ إلَيْهِ مِنْ الذِّمِّيِّ لِمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: خَرَجَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ إلَى السُّوقِ فَإِذَا هُوَ بِنَصْرَانِيٍّ يَبِيعُ دِرْعًا فَعَرَفَهَا عَلِيٌّ، فَقَالَ: هَذِهِ دِرْعِي بَيْنِي وَبَيْنَكَ قَاضِي الْمُسْلِمِينَ فَأَتَيَا شُرَيْحًا، فَلَمَّا رَأَى الْقَاضِي عَلِيًّا قَامَ مِنْ مَجْلِسِهِ وَأَجْلَسَهُ وَجَلَسَ شُرَيْحٌ أَمَامَهُ إلَى جَنْبِ النَّصْرَانِيِّ، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: لَوْ كَانَ خَصْمِي مُسْلِمًا لَجَلَسْت مَعَهُ بَيْنَ يَدَيْكَ وَلَكِنْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: {لَا تُسَاوُوهُمْ فِي الْمَجَالِسِ} اقْضِ بَيْنِي وَبَيْنَهُ يَا شُرَيْحُ، فَقَالَ شُرَيْحٌ: مَا تَقُولُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ؟ فَقَالَ: هَذِهِ دِرْعِي ذَهَبَتْ مِنِّي مُنْذُ زَمَانٍ. فَقَالَ شُرَيْحٌ: مَا تَقُولُ يَا نَصْرَانِيٌّ، فَقَالَ مَا أُكَذِّبُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ الدِّرْعُ دِرْعِي؟. فَقَالَ شُرَيْحٌ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ هَلْ مِنْ بَيِّنَةٍ، فَقَالَ عَلِيٌّ: صَدَقَ شُرَيْحٌ فَقَالَ النَّصْرَانِيُّ: إنِّي أَشْهَدُ أَنَّ هَذِهِ أَحْكَامُ الْأَنْبِيَاءِ، ثُمَّ أَسْلَمَ النَّصْرَانِيُّ فَأَعْطَاهُ عَلِيٌّ الدِّرْعَ وَحَمَلَهُ عَلَى فَرَسٍ عَتِيقٍ قَالَ الشَّعْبِيُّ: فَقَدْ رَأَيْتُهُ يُقَاتِلُ الْمُشْرِكِينَ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى عَلَيْهِ. وَالثَّانِي يُسَوِّي بَيْنَهُمَا فِيهِ، وَيُشْبِهُ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا أَنْ يَجْرِيَ ذَلِكَ فِي سَائِرِ وُجُوهِ الْإِكْرَامِ حَتَّى فِي التَّقْدِيمِ فِي الدَّعْوَى كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُهُمْ، وَهُوَ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا ظَاهِرٌ إذَا قُلْتَ الْخُصُومُ الْمُسْلِمُونَ، وَإِلَّا فَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ لِكَثْرَةِ ضَرَرِ الْمُسْلِمِينَ. تَنْبِيهٌ: لَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْجَوَازِ أَوْ الْوُجُوبِ، وَصَرَّحَ صَاحِبُ التَّمْيِيزِ بِالْوُجُوبِ، وَهُوَ قِيَاسُ الْقَاعِدَةِ الْأَغْلَبِيَّةِ أَنَّ مَا كَانَ مَمْنُوعًا مِنْهُ إذَا جَازَ وَجَبَ كَقَطْعِ الْيَدِ فِي السَّرِقَةِ وَصَرَّحَ سُلَيْمٌ فِي الْمُجَرَّدِ بِالْجَوَازِ، وَعِبَارَتُهُ الَّتِي نَقَلَهَا ابْنُ شُهْبَةَ عَنْهُ: فَلَا بَأْسَ أَنْ يَرْفَعَ الْمُسْلِمَ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا ذِمِّيًّا وَالْآخَرُ مُرْتَدًّا، فَيَتَّجِهُ تَخْرِيجُهُ عَلَى التَّكَافُؤِ فِي الْقِصَاصِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْمُرْتَدَّ يُقْتَلُ بِالذِّمِّيِّ دُونَ عَكْسِهِ، وَتَعَجَّبَ الْبُلْقِينِيُّ مِنْ هَذَا التَّخْرِيجِ، فَإِنَّ التَّكَافُؤَ فِي الْقِصَاصِ لَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ بِسَبِيلٍ، وَلَوْ اعْتَبَرْنَاهُ لِرَفْعِ الْحُرِّ عَلَى الْعَبْدِ وَالْوَالِدِ عَلَى الْوَلَدِ.
المتن: وَإِذَا جَلَسَا فَلَهُ أَنْ يَسْكُتَ، وَأَنْ يَقُولَ لِيَتَكَلَّمْ الْمُدَّعِي.
الشَّرْحُ: (وَإِذَا) حَضَرَ الْخَصْمَانِ بَيْنَ يَدَيْهِ وَ (جَلَسَا) أَوْ وَقَفَا كَمَا هُوَ الْغَالِبُ (فَلَهُ أَنْ يَسْكُتَ) عَنْهُمَا حَتَّى يَتَكَلَّمَا؛ لِأَنَّهُمَا حَضَرَا لِيَتَكَلَّمَا (وَ) لَهُ (أَنْ يَقُولَ) إنْ لَمْ يَعْرِفْ الْمُدَّعِيَ (لِيَتَكَلَّمْ الْمُدَّعِي) مِنْكُمَا؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا هَابَاهُ وَلَهُ إنْ عَرَفَهُ أَنْ يَقُولَ لَهُ: تَكَلَّمْ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ الْقَائِمُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَإِنْ طَالَ سُكُوتُهُمَا بِغَيْرِ سَبَبٍ مِنْ هَيْبَةٍ وَتَحْرِيرِ كَلَامٍ وَنَحْوِهَا قَالَ مَا خَطْبُكُمَا. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: فَإِنْ لَمْ يَدَّعِ وَاحِدٌ مِنْهُمَا أُقِيمَا مِنْ مَكَانِهِمَا. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَالْأَوْلَى بِالْخَصْمِ أَنْ يَسْتَأْذِنَ الْقَاضِيَ فِي الْكَلَامِ.
المتن: فَإِذَا ادَّعَى طَالَبَ خَصْمَهُ بِالْجَوَابِ، فَإِنْ أَقَرَّ فَذَاكَ، وَإِنْ أَنْكَرَ فَلَهُ أَنْ يَقُولَ لِلْمُدَّعِي أَلَكَ بَيِّنَةٌ، وَأَنْ يَسْكُتَ، فَإِنْ قَالَ لِي بَيِّنَةٌ وَأُرِيدُ تَحْلِيفَهُ فَلَهُ ذَلِكَ، أَوْ لَا بَيِّنَةَ لِي ثُمَّ أَحْضَرَهَا قُبِلَتْ فِي الْأَصَحِّ.
الشَّرْحُ:
(فَإِذَا) (ادَّعَى) أَحَدُهُمَا دَعْوًى صَحِيحَةً (طَالَبَ خَصْمَهُ بِالْجَوَابِ) وَإِنْ لَمْ يَسْأَلْهُ الْمُدَّعِي، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ فَصْلُ الْخُصُومَةِ وَبِذَلِكَ تَنْفَصِلُ فَيَقُولُ لَهُ: مَا تَقُولُ؟ أَوْ خَرَجَ مِنْ دَعْوَاهُ إنْ كَانَتْ مُمْكِنَةً، فَإِنْ عَلِمَ كَذِبَ الْمُدَّعِي مِثْلَ أَنْ يَدَّعِيَ الذِّمِّيُّ اسْتِئْجَارَ الْأَمِيرِ أَوْ الْكَبِيرِ لِعَلَفِ الدَّوَابِّ أَوْ كَنْسِ بَيْتِهِ، وَكَدَعْوَى الْمَعْرُوفِ بِالْعَيْبِ وَجَرِّ ذَوِي الْأَقْدَارِ لِمَجْلِسِ الْقُضَاةِ وَاسْتِحْلَافِهِمْ لِيَفْتَدُوا مِنْهُ بِشَيْءٍ فَذَلِكَ خِلَافًا لِلْإِصْطَخْرِيِّ فِي قَوْلِهِ: لَا يُلْتَفَتُ إلَى قَوْلِهِ (فَإِنْ أَقَرَّ) بِمَا اُدُّعِيَ عَلَيْهِ بِهِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا (فَذَاكَ) ظَاهِرٌ فِي ثُبُوتِهِ بِغَيْرِ حُكْمٍ بِخِلَافِ الْبَيِّنَةِ؛ لِأَنَّ دَلَالَةَ الْإِقْرَارِ وَلَوْ حُكْمًا عَلَى وُجُوبِ الْحَقِّ جَلِيَّةٌ إذْ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرٌ، بِخِلَافِ الْبَيِّنَةِ فَإِنَّهَا تَحْتَاجُ إلَى نَظَرٍ وَاجْتِهَادٍ، وَلِلْمُدَّعِي بَعْدَ الْإِقْرَارِ أَنْ يَطْلُبَ مِنْ الْقَاضِي الْحُكْمَ عَلَيْهِ (وَإِنْ أَنْكَرَ) الدَّعْوَى، وَهِيَ مِمَّا لَا يَمِينَ فِيهَا فِي جَانِبِ الْمُدَّعِي (فَلَهُ) أَيْ الْقَاضِي (أَنْ يَقُولَ لِلْمُدَّعِي أَلَكَ بَيِّنَةٌ) وَإِنْ كَانَ الْحَقُّ مِمَّا يَثْبُتُ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ قَالَ لَهُ: أَلَكَ بَيِّنَةٌ أَوْ شَاهِدٌ مَعَ يَمِينٍ؟ فَإِنْ كَانَ الْيَمِينُ فِي جَانِبِ الْمُدَّعِي لِكَوْنِهِ أَمِينًا أَوْ فِي قَسَامَةٍ قَالَ لَهُ أَتَحْلِفُ وَيَقُولُ لِلزَّوْجِ الْمُدَّعِي عَلَى زَوْجَتِهِ بِالزِّنَا أَتُلَاعِنُهَا، فَلَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِالْحُجَّةِ بَدَلَ الْبَيِّنَةِ كَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ جَمِيعَ ذَلِكَ (وَ) لِلْقَاضِي (أَنْ) لَا يَسْتَفْهِمَ الْمُدَّعِي عَنْ الْبَيِّنَةِ بِأَنْ (يَسْكُتَ) تَحَرُّزًا عَنْ اعْتِقَادِ مَيْلِهِ إلَى الْمُدَّعِي. نَعَمْ إنْ جَهِلَ الْمُدَّعِي أَنَّ لَهُ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ فَلَا يَسْكُتُ، بَلْ يَجِبُ إعْلَامُهُ بِأَنَّ لَهُ ذَلِكَ كَمَا أَفْهَمَهُ كَلَامُ الْمُهَذَّبِ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ: إنْ عَلِمَ عِلْمَهُ بِذَلِكَ فَالسُّكُوتُ أَوْلَى، وَإِنْ شَكَّ فَالْقَوْلُ أَوْلَى، وَإِنْ عَلِمَ جَهْلَهُ بِهِ وَجَبَ إعْلَامُهُ ا هـ. وَهُوَ تَفْصِيلٌ حَسَنٌ (فَإِنْ قَالَ) الْمُدَّعِي (لِي بَيِّنَةٌ) وَأَقَامَهَا فَذَاكَ (وَأُرِيدُ تَحْلِيفَهُ فَلَهُ ذَلِكَ) لِأَنَّهُ إنْ تَوَرَّعَ عَنْ الْيَمِينِ وَأَقَرَّ سَهَّلَ الْأَمْرَ عَلَى الْمُدَّعِي وَاسْتَغْنَى عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ، وَإِنْ حَلَفَ أَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ وَأَظْهَرَ خِيَانَتَهُ وَكَذِبَهُ فَلَهُ فِي طَلَبِ تَحْلِيفِهِ غَرَضٌ ظَاهِرٌ، وَاسْتَثْنَى الْبُلْقِينِيُّ مَا إذَا ادَّعَى لِغَيْرِهِ بِطَرِيقِ الْوِلَايَةِ أَوْ النَّظَرِ أَوْ الْوَكَالَةِ أَوْ لِنَفْسِهِ، وَلَكِنْ كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ بِسَفَهٍ أَوْ فَلَسٍ أَوْ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ أَوْ مُكَاتَبًا فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الصُّوَرِ لِئَلَّا يَحْلِفَ، ثُمَّ يَرْفَعُهُ لِحَاكِمٍ يَرَى مَنْعَ الْبَيِّنَةِ بَعْدَ الْحَلِفِ فَيَضِيعُ الْحَقُّ، وَرَدَّ بِأَنَّ الْمُطَالَبَةَ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْمُدَّعِي فَلَا يَرْفَعُ غَرِيمَهُ إلَّا لِمَنْ يَسْمَعُ الْبَيِّنَةَ بَعْدَ الْحَلِفِ بِتَقْدِيرِ أَنْ لَا يَنْفَصِلَ أَمْرُهُ عِنْدَ الْأَوَّلِ (أَوْ) قَالَ (لَا بَيِّنَةَ لِي) وَأَطْلَقَ أَوْ زَادَ عَلَيْهِ لَا بَيِّنَةَ لِي حَاضِرَةً وَلَا غَائِبَةً أَوْ كُلُّ بَيِّنَةٍ أُقِيمُهَا فَهِيَ بَاطِلَةٌ أَوْ كَاذِبَةٌ أَوْ زُورٌ وَحَلَّفَهُ (ثُمَّ أَحْضَرَهَا) (قُبِلَتْ فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ رُبَّمَا لَمْ يَعْرِفْ لَهُ بَيِّنَةً أَوْ نَسِيَ، ثُمَّ عَرَفَ أَوْ تَذَكَّرَ، وَالثَّانِي: لَا لِلْمُنَاقَضَةِ إلَّا أَنْ يَذْكُرَ لِكَلَامِهِ تَأْوِيلًا كَكُنْتُ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا، وَنَسَبَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ إلَى الْأَكْثَرِينَ. أَمَّا لَوْ قَالَ: لَا بَيِّنَةَ لِي حَاضِرَةً، ثُمَّ أَحْضَرَهَا فَإِنَّهَا تُقْبَلُ قَطْعًا لِعَدَمِ الْمُنَاقَضَةِ، وَلَوْ قَالَ: شُهُودِي فَسَقَةٌ أَوْ عَبِيدٌ فَجَاءَ بِعُدُولٍ، وَقَدْ مَضَتْ مُدَّةُ اسْتِبْرَاءٍ أَوْ عِتْقٍ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ وَإِلَّا فَلَا. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهَذَا ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا اعْتَرَفَ أَنَّ هَذِهِ الْبَيِّنَةَ هِيَ الَّتِي نَسَبَ إلَيْهَا ذَلِكَ. أَمَّا لَوْ أَحْضَرَ بَيِّنَةً عَنْ قُرْبٍ. فَقَالَ: هَذِهِ بَيِّنَةٌ عَادِلَةٌ جَهِلْتَهَا أَوْ نَسِيتُهَا غَيْرُ تِلْكَ ثُمَّ عَلِمْتُهَا أَوْ تَذَكَّرْتَهَا، فَيُشْبِهُ أَنْ تُقْبَلَ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَتْ حُرِّيَّةُ الْمُحْضَرِينَ وَعَدَالَتُهُمْ مَشْهُورَةً. . تَنْبِيهٌ: يُنْدَبُ لِلْقَاضِي بَعْدَ ظُهُورِ وَجْهِ الْحُكْمِ نَدْبُ الْخَصْمَيْنِ إلَى صُلْحٍ يُرْجَى، وَيُؤَخِّرُ لَهُ الْحُكْمَ يَوْمًا وَيَوْمَيْنِ بِرِضَاهُمَا، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَرْضَيَا.
المتن: وَإِذَا ازْدَحَمَ خُصُومٌ قُدِّمَ الْأَسْبَقُ، فَإِنْ جَهِلَ أَوْ جَاءُوا مَعًا أُقْرِعَ
الشَّرْحُ: (وَإِذَا) (ازْدَحَمَ) فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي (خُصُومٌ) مُدَّعُونَ (قُدِّمَ) حَتْمًا (الْأَسْبَقُ) فَالْأَسْبَقُ مِنْهُمْ بِمَجْلِسِ الْحُكْمِ إنْ جَاءُوا مُتَرَتِّبِينَ وَعُرِفَ السَّابِقُ؛ لِأَنَّهُ الْعَدْلُ كَمَا لَوْ سَبَقَ إلَى مَوْضِعٍ مُبَاحٍ، وَالْعِبْرَةُ بِسَبْقِ الْمُدَّعِي دُونَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لِلْمُدَّعِي. تَنْبِيهٌ: قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: مَحِلُّ وُجُوبِ تَقْدِيمِ السَّابِقِ إذَا تَعَيَّنَ عَلَى الْقَاضِي فَصْلُ الْخُصُومَاتِ، وَإِلَّا فَلَهُ أَنْ يُقَدِّمَ مَنْ شَاءَ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي الْعِلْمِ الَّذِي لَا يَجِبُ تَعْلِيمُهُ (فَإِنْ جَهِلَ) الْأَسْبَقَ مِنْهُمْ (أَوْ جَاءُوا مَعًا أُقْرِعَ) بَيْنَهُمْ، وَقُدِّمَ مَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ، إذْ لَا مُرَجِّحَ، فَإِنْ آثَرَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا جَازَ، هَذَا إذَا أَمْكَنَ الْإِقْرَاعُ، فَإِنْ كَثُرُوا أَوْ عَسُرَ الْإِقْرَاعُ كَتَبَ أَسْمَاءَهُمْ فِي رِقَاعٍ وَجَعَلَهَا بَيْنَ يَدَيْهِ لِيَأْخُذَهَا وَاحِدَةً وَاحِدَةً وَيُقَدِّمَ صَاحِبَهَا، كَذَا قَالَاهُ، وَهَذَا نَوْعٌ مِنْ الْإِقْرَاعِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرُّويَانِيُّ، وَتُسْمَعُ دَعْوَى الْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ حَتْمًا، فَإِنْ كَانَ فِيهِمْ مَرِيضٌ يَتَضَرَّرُ بِالصَّبْرِ لِنَوْبَتِهِ فَالْأَوْلَى لِغَيْرِهِ كَمَا قَالَ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ تَقْدِيمُهُ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ قَدَّمَهُ الْقَاضِي إنْ كَانَ مَطْلُوبًا، وَلَا يُقَدِّمُهُ إنْ كَانَ طَالِبًا؛ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ مَجْبُورٌ وَالطَّالِبَ مُجْبِرٌ.
المتن: وَيُقَدَّمُ مُسَافِرُونَ مُسْتَوْفِزُونَ، وَ نِسْوَةٌ، وَإِنْ تَأَخَّرُوا مَا لَمْ يَكْثُرُوا، وَلَا يُقَدَّمُ سَابِقٌ وَقَارِعٌ إلَّا بِدَعْوَى.
الشَّرْحُ:
تَنْبِيهٌ: لَا يُقَدِّمُ الْقَاضِي بَعْضَ الْمُدَّعِينَ عَلَى بَعْضٍ إلَّا فِي صُورَتَيْنِ أَشَارَ لِلْأُولَى مِنْهُمَا بِقَوْلِهِ (وَيُقَدَّمُ) نَدْبًا عَلَى الْمُخْتَارِ فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ (مُسَافِرُونَ مُسْتَوْفِزُونَ) أَيْ مُتَهَيِّئُونَ لِلسَّفَرِ خَائِفُونَ مِنْ انْقِطَاعِهِمْ إنْ تَأَخَّرُوا عَلَى مُقِيمِينَ لِئَلَّا يَتَضَرَّرُوا بِالتَّخَلُّفِ، وَأَشَارَ لِلثَّانِيَةِ بِقَوْلِهِ (وَ) يُقَدَّمُ (نِسْوَةٌ) عَلَى رِجَالٍ طَلَبًا لِسِتْرِهِنَّ (وَإِنْ تَأَخَّرُوا) أَيْ الْمُسَافِرُونَ وَالنِّسْوَةُ فِي الْمَجِيءِ إلَى الْقَاضِي، وَفِيهِ تَغْلِيبُ الْمُذَكَّرِ عَلَى الْمُؤَنَّثِ، وَكَذَا فِي قَوْلِهِ (مَا لَمْ يَكْثُرُوا) فَإِنْ كَثُرُوا بَلْ أَوْ سَاوَوْا كَمَا فِي الْمُهَذَّبِ، أَوْ كَانَ الْجَمِيعُ مُسَافِرِينَ أَوْ نِسْوَةً فَالتَّقْدِيمُ بِالسَّبَقِ أَوْ الْقُرْعَةِ. تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ إطْلَاقُهُ الْمُسَافِرِينَ وَالنِّسْوَةَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ كَوْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا مُدَّعِيًا أَوْ مُدَّعًى عَلَيْهِ، وَهُوَ مَا بَحَثَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَإِنْ نَازَعَ فِيهِ الْبُلْقِينِيُّ وَقَالَ: إنَّهُ مُخْتَصٌّ بِالْمُدَّعِينَ، وَالْخَنَاثِي مَعَ الرِّجَالِ كَالنِّسْوَةِ، وَيُقَدَّمُ الْمُسَافِرُ عَلَى الْمَرْأَةِ الْمُقِيمَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ، وَإِطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ النِّسَاءَ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الشَّابَّةِ وَالْعَجُوزِ وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: الْقِيَاسُ إلْحَاقُ الْعَجُوزِ بِالرِّجَالِ لِانْتِفَاءِ الْمَحْذُورِ، وَأَفْهَمَ اقْتِصَارُهُ عَلَى الْمُسَافِرِينَ وَالنِّسْوَةِ الْحَصْرَ فِيهِمَا، وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ الْمَرِيضُ كَمَا سَبَقَ كَذَلِكَ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَلْحَقَ بِهِ مَنْ لَهُ مَرِيضٌ بِلَا مُتَعَهِّدٍ، وَتَقْدِيمُ مُسْلِمٍ عَلَى كَافِرٍ، وَالِازْدِحَامُ عَلَى الْمُفْتِي وَالْمُدَرِّسِ كَالِازْدِحَامِ عَلَى الْقَاضِي إنْ كَانَ الْعِلْمُ فَرْضًا وَلَوْ عَلَى الْكِفَايَةِ وَإِلَّا فَالْخِيرَةُ إلَى الْمُفْتِي أَوْ الْمُدَرِّسِ (وَلَا يُقَدَّمُ سَابِقٌ وَقَارِعٌ) أَيْ مَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ (إلَّا بِدَعْوَى) وَاحِدَةٍ وَإِنْ اتَّحَدَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِئَلَّا يَتَضَرَّرَ الْبَاقُونَ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا اسْتَوْعَبَ الْمَجْلِسَ بِدَعَاوِيهِ فَتُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَيَنْصَرِفُ ثُمَّ يَحْضُرُ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ وَيَنْتَظِرُ فَرَاغَ دَعْوَى الْحَاضِرِينَ ثُمَّ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ. الثَّانِيَةُ: إنْ بَقِيَ وَقْتٌ وَلَمْ يَضْجَرْ. تَنْبِيهٌ: سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ حُكْمِ تَقْدِيمِ الْمُسَافِرِ وَالنِّسْوَةِ، وَالْأَرْجَحُ تَقْدِيمُهُمْ بِدَعَاوِيهِمْ إنْ كَانَتْ خَفِيفَةً لَا تَضُرُّ بِالْمُقِيمِينَ فِي الْأُولَى وَبِالرِّجَالِ فِي الثَّانِيَةِ، فَإِنْ طَالَتْ قُدِّمَ مَنْ ذُكِرَ بِوَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّهَا مَأْذُونٌ فِيهَا، وَقَدْ يُقْنَعُ بِوَاحِدَةٍ وَيُؤَخَّرُ الْبَاقِي إلَى أَنْ يَحْضُرَ، هَذَا مَا رَجَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ، وَاعْتَرَضَهُ الْإِسْنَوِيُّ بِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّقْدِيمِ بِوَاحِدَةٍ فَقَطْ مَمْنُوعٌ، بَلْ الْقِيَاسُ عَلَى مَا قَالَهُ أَنْ يَسْمَعَ فِي عَدَدٍ لَا يَضُرُّ بِالْبَاقِينَ، كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ غَيْرُهُ - أَيْ مِنْ الْمُسَافِرِينَ أَوْ النِّسَاءِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهَذَا لَا يَكَادُ يَنْضَبِطُ، وَإِذَا قَدَّمْنَا بِوَاحِدَةٍ فَالْمُرَادُ كَمَا بَحَثَهُ شَيْخُنَا التَّقْدِيمُ بِالدَّعْوَى وَجَوَابُهَا وَفَصْلُ الْحُكْمِ فِيهَا. نَعَمْ إنْ تَأَخَّرَ الْحُكْمُ لِانْتِظَارِ بَيِّنَةٍ، أَوْ تَزْكِيَةٍ أَوْ نَحْوِهَا سَمِعَ دَعْوَى مَنْ بَعْدَهُ حَتَّى يَحْضُرَ هُوَ بِبَيِّنَتِهِ فَيَشْتَغِلَ حِينَئِذٍ بِإِتْمَامِ خُصُومَتِهِ، وَلَا وَجْهَ لِتَعْطِيلِ الْخُصُومِ، ذَكَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ. تَنْبِيهٌ: لَوْ قَالَ كُلٌّ مِنْ الْخَصْمَيْنِ: أَنَا الْمُدَّعِي، فَإِنْ كَانَ قَدْ سَبَقَ أَحَدُهُمَا إلَى الدَّعْوَى لَمْ تُقْطَعْ دَعْوَاهُ، بَلْ عَلَى الْآخَرِ أَنْ يُجِيبَ، ثُمَّ يَدَّعِيَ إنْ شَاءَ، وَإِلَّا ادَّعَى مَنْ بَعَثَ مِنْهُمَا الْعَوْنَ خَلْفَ الْآخَرِ، وَكَذَا مَنْ أَقَامَ بَيِّنَةً بِأَنَّهُ أَحْضَرَ الْآخَرَ لِيَدَّعِيَ عَلَيْهِ، فَإِنْ اسْتَوَوْا أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ، فَمَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ ادَّعَى.
المتن: وَيَحْرُمُ اتِّخَاذُ شُهُودٍ مُعَيَّنِينَ، لَا يَقْبَلُ غَيْرَهُمْ.
الشَّرْحُ: (وَيَحْرُمُ) عَلَى الْقَاضِي (اتِّخَاذُ شُهُودٍ مُعَيَّنِينَ لَا يَقْبَلُ غَيْرَهُمْ) لِمَا فِيهِ مِنْ التَّضْيِيقِ عَلَى النَّاسِ، إذْ قَدْ يَتَحَمَّلُ الشَّهَادَةَ غَيْرُهُمْ، فَإِذَا لَمْ يَقْبَلْ ضَاعَ الْحَقُّ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} فَإِنْ عَيَّنَ شُهُودًا وَقَبِلَ غَيْرَهُمْ لَمْ يَحْرُمْ وَلَمْ يُكْرَهْ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ.
المتن: وَإِذَا شَهِدَ شُهُودٌ فَعَرَفَ عَدَالَةً أَوْ فِسْقًا عَمِلَ بِعِلْمِهِ، وَإِلَّا وَجَبَ الِاسْتِزْكَاءُ
الشَّرْحُ: (وَإِذَا) (شَهِدَ) عِنْدَ الْقَاضِي (شُهُودٌ فَعَرَفَ) فِيهِمْ (عَدَالَةً، أَوْ فِسْقًا) (عَمِلَ بِعِلْمِهِ) فِيهِمْ فَيَقْبَلُ مَنْ عَرَفَ عَدَالَتَهُ وَلَمْ يَحْتَجْ إلَى تَعْدِيلٍ وَإِنْ طَلَبَهُ الْخَصْمُ، وَيَرُدُّ مَنْ عَرَفَ فِسْقَهُ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى بَحْثٍ. تَنْبِيهٌ: مَحِلُّ هَذَا فِي الْعَدَالَةِ فِي غَيْرِ أَصْلِهِ وَفَرْعِهِ. أَمَّا هُمَا فَفِيهِمَا وَجْهَانِ أَرْجَحُهُمَا كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ عَدَمُ الْجَوَازِ مَا لَمْ تَقُمْ عِنْدَهُ بَيِّنَةٌ بِعَدَالَتِهِمَا تَفْرِيعًا عَلَى تَصْحِيحِ الرَّوْضَةِ أَنَّهُ لَا يَقْبَلُ تَزْكِيَتَهُ لَهُمَا (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَعْرِفْ الْقَاضِي فِي الشُّهُودِ عَدَالَةً وَلَا فِسْقًا (وَجَبَ الِاسْتِزْكَاءُ) أَيْ طَلَبُ الْقَاضِي مِنْهُمْ التَّزْكِيَةَ، وَهِيَ الْبَحْثُ عَنْ حَالِ الشُّهُودِ، سَوَاءٌ أَطَلَبَهُ الْخَصْمُ أَمْ لَا، طَعَنَ فِي الشُّهُودِ أَمْ لَا، اعْتَرَفَ بِعَدَالَتِهِمْ أَمْ لَا؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ يَقَعُ بِشَهَادَتِهِمْ فَيَجِبُ الْبَحْثُ عَنْ شَرْطِهَا نَعَمْ لَوْ صَدَّقَهُمَا الْخَصْمُ فِيمَا شَهِدُوا بِهِ قَضَى بِإِقْرَارِهِ ` لَا بِالْبَيِّنَةِ. تَنْبِيهٌ: لَوْ جَهِلَ إسْلَامَ الشُّهُودِ رَجَعَ فِيهِ إلَى قَوْلِهِمْ، بِخِلَافِ جَهْلِهِ بِحُرِّيَّتِهِمْ، فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْبَيِّنَةِ، وَلَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ شَاهِدَانِ مَعْرُوفَانِ بِالْعَدَالَةِ وَاعْتَرَفَ الْخَصْمُ بِمَا شَهِدَا بِهِ قَبْلَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ، فَالْحُكْمُ بِالْإِقْرَارِ لَا بِالشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّهُ أَقْوَى، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَقَرَّ بَعْدَ الْحُكْمِ فَإِنَّ الْحُكْمَ قَدْ مَضَى مُسْتَنِدًا إلَى الشَّهَادَةِ، هَذَا مَا نَقَلَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ عَنْ الْهَرَوِيِّ وَأَقَرَّهُ وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ الزِّنَا أَنَّ الْأَصَحَّ عِنْدَ الْمَاوَرْدِيُّ اعْتِبَارُ الْأَسْبَقِ مِنْ الْإِقْرَارِ وَالشَّهَادَةِ، وَتَقَدَّمَ مَا فِيهِ، وَقَوْلُ ابْنِ شُهْبَةَ: وَالصَّحِيحُ اسْتِنَادُهُ إلَى الْمَجْمُوعِ مَمْنُوعٌ.
المتن: بِأَنْ يَكْتُبَ مَا يَتَمَيَّزُ بِهِ الشَّاهِدُ وَالْمَشْهُودُ لَهُ وَعَلَيْهِ وَكَذَا قَدْرُ الدَّيْنِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَيَبْعَثَ بِهِ مُزَكِّيًا ثُمَّ يُشَافِهُهُ الْمُزَكِّيَ بِمَا عِنْدَهُ، وَقِيلَ تَكْفِي كِتَابَتُهُ.
الشَّرْحُ: ثُمَّ بَيَّنَ صُورَةَ الِاسْتِزْكَاءِ بِقَوْلِهِ (بِأَنْ) أَيْ كَأَنْ (يَكْتُبَ) الْقَاضِي (مَا يَتَمَيَّزُ بِهِ الشَّاهِدُ وَالْمَشْهُودُ لَهُ، وَ) الْمَشْهُودُ (عَلَيْهِ) مِنْ اسْمٍ وَكُنْيَةٍ إنْ اُشْتُهِرَ بِهَا، وَوَلَاءٍ إنْ كَانَ عَلَيْهِ وَلَاءٌ، وَاسْمُ أَبِيهِ وَجَدِّهِ وَحِلْيَتِهِ وَحِرْفَتِهِ وَسُوقِهِ وَمَسْجِدِهِ لِئَلَّا يُشْتَبَهُ بِغَيْرِهِ، وَقَدْ يَكُونُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الشَّاهِدِ مَا يَمْنَعُ الشَّهَادَةَ كَبِغْضَةٍ أَوْ عَدَاوَةٍ، فَإِنْ كَانَ الشَّاهِدُ مَشْهُورًا وَحَصَلَ التَّمْيِيزُ بِبَعْضِ هَذِهِ الْأَوْصَافِ اُكْتُفِيَ بِهِ (وَكَذَا قَدْرُ) الْمَشْهُودِ بِهِ مِنْ (الدَّيْنِ) وَغَيْرِهِ (عَلَى الصَّحِيحِ) لِأَنَّهُ قَدْ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ صِدْقُ الشَّاهِدِ فِي الْقَلِيلِ دُونَ الْكَثِيرِ، وَالثَّانِي: لَا يَكْتُبُهُ؛ لِأَنَّ الْعَدَالَةَ لَا تَخْتَلِفُ بِقِلَّةِ الْمَالِ وَكَثْرَتِهِ، وَنَقَلَهُ الْإِمَامُ عَنْ مُعْظَمِ الْأَئِمَّةِ، وَقَالَ عَنْ الْأَوَّلِ لَيْسَ بِسَدِيدٍ، فَكَانَ الْأَوْلَى التَّعْبِيرُ بِالْأَصَحِّ لَا بِالصَّحِيحِ، وَأَنْ يَقُولَ: وَكَذَا مَا شَهِدُوا بِهِ لِيُعْلَمَ الدَّيْنُ وَالْعَيْنُ وَالنِّكَاحُ وَالْقَتْلُ وَغَيْرُهَا، وَلِيُسْتَغْنَى عَمَّا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ (وَ) أَنْ (يَبْعَثَ بِهِ) أَيْ بِمَا كَتَبَهُ (مُزَكِّيًا) هُوَ نَصْبٌ بِإِسْقَاطِ الْخَافِضِ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، فَقَالَ إلَى مُزَكٍّ، وَفِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لِلْقَاضِي مُزَكُّونَ وَأَصْحَابُ مَسَائِلَ، فَالْمُزَكُّونَ الرُّجُوعُ إلَيْهِمْ لِيُبَيِّنُوا حَالَ الشُّهُودِ، وَأَصْحَابُ الْمَسَائِلِ هُمْ الَّذِينَ يَبْعَثُهُمْ الْقَاضِي إلَى الْمُزَكِّينَ لِيَبْحَثُوا وَيَسْأَلُوا، وَرُبَّمَا فَسَّرَ أَصْحَابُ الْمَسَائِلِ فِي لَفْظِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِالْمُزَكِّينَ ا هـ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَيَكْتُبُ لِكُلِّ مُزَكٍّ كِتَابًا وَيَدْفَعُهُ إلَى صَاحِبِ مَسْأَلَةٍ وَيُخْفِي كُلَّ كِتَابٍ عَنْ غَيْرِ مَنْ دَفَعَهُ إلَيْهِ وَغَيْرِ مَنْ يَبْعَثُهُ احْتِيَاطًا لِئَلَّا يَسْعَى الْمَشْهُودُ لَهُ فِي التَّزْكِيَةِ وَالْمَشْهُودُ عَلَيْهِ فِي الْجَرْحِ (ثُمَّ) إنْ عَادَ إلَيْهِ الرُّسُلُ بِجُرْحٍ مِنْ الْمُزَكِّينَ تَوَقَّفَ عَنْ الْحُكْمِ وَكَتَمَ الْجُرْحَ، وَقَالَ لِلْمُدَّعِي: زِدْنِي فِي الشُّهُودِ أَوْ عَادُوا إلَيْهِ بِتَعْدِيلٍ لَمْ يَحْكُمْ بِقَوْلِهِمْ بَلْ (يُشَافِهُهُ) أَيْ الْقَاضِي (الْمُزَكِّيَ) الْمَبْعُوثَ إلَيْهِ (بِمَا عِنْدَهُ) مِنْ حَالِ الشُّهُودِ مِنْ جُرْحٍ أَوْ تَعْدِيلٍ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ يَقَعُ بِشَهَادَتِهِ وَيُشِيرُ إلَى الْمُزَكِّي لِيَأْمَنَ بِذَلِكَ الْغَلَطَ مِنْ شَخْصٍ إلَى آخَرَ، وَلَا يَقْتَصِرُ الْمُزَكِّي عَلَى الْكِتَابَةِ لِلْقَاضِي مَعَ أَصْحَابِ الْمَسَائِلِ فِي الْأَصَحِّ (وَقِيلَ: تَكْفِي كِتَابَتُهُ) لَهُ مَعَهُمْ مِنْ غَيْرِ مُشَافَهَةٍ، وَهَذَا مَا اخْتَارَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَأَصْحَابُهُ وَعَلَيْهِ عَمَلُ الْقُضَاةِ الْآنَ مِنْ أَكْفَائِهِمْ بِرُؤْيَةِ سِجِلِّ الْعَدَالَةِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْمُزَكِّي وَاحِدًا كَمَا يُشْعِرُ بِهِ كَلَامُهُ بَلْ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرُ. تَنْبِيهٌ: مَنْ نَصَبَ أَرْبَابَ الْمَسَائِلِ حَاكِمًا فِي الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ كَفَى أَنْ يُنْهِيَ إلَى الْقَاضِي وَحْدَهُ ذَلِكَ، فَلَا يُعْتَبَرُ الْعَدَدُ؛ لِأَنَّهُ حَاكِمٌ فَالْحُكْمُ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِهِ، وَكَذَا لَوْ أَمَرَ الْقَاضِي صَاحِبَ الْمَسْأَلَةِ بِالْبَحْثِ فَبَحَثَ وَشَهِدَ بِمَا بَحَثَهُ لَكِنْ يُعْتَبَرُ الْعَدَدُ لِأَنَّهُ شَاهِدٌ. قَالَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ: وَإِذَا تَأَمَّلْتَ كَلَامَ الْأَصْحَابِ فَقَدْ تَقُولُ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ فِيهِ خِلَافٌ مُحَقَّقٌ، بَلْ إنْ وَلِيَ صَاحِبُ الْمَسْأَلَةِ الْجَرْحَ وَالتَّعْدِيلَ فَحُكْمُ الْقَاضِي مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِهِ، فَلَا يُعْتَبَرُ الْعَدَدُ؛ لِأَنَّهُ حَاكِمٌ، وَإِنْ أَمَرَهُ بِالْبَحْثِ فَبَحَثَ وَوَقَفَ عَلَى حَالِ الشَّاهِدِ وَشَهِدَ بِهِ، فَالْحُكْمُ أَيْضًا مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِهِ، لَكِنْ يُعْتَبَرُ الْعَدَدُ لِأَنَّهُ شَاهِدٌ، وَإِنْ أَمَرَهُ بِمُرَاجَعَةِ مُزِكِّينَ وَإِعْلَامِهِ مَا عِنْدَهُمَا فَهُوَ رَسُولٌ مَحْضٌ فَلْيَحْضُرَا وَيَشْهَدَا، وَكَذَا لَوْ شَهِدَا عَلَى شَهَادَتِهِمَا؛ لِأَنَّ شَاهِدَ الْفَرْعِ لَا يُقْبَلُ مَعَ حُضُورِ الْأَصْلِ. ا هـ. فَقَدْ رُفِعَ بِذَلِكَ الْخِلَافُ فِي أَنَّ الْحُكْمَ بِقَوْلِ الْمُزَكِّينَ أَوْ بِقَوْلِ هَؤُلَاءِ، وَاَلَّذِي نَقَلَهُ عَنْ الْأَكْثَرِينَ أَنَّهُ بِقَوْلِ هَؤُلَاءِ وَهُوَ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا الْمُعْتَمَدُ، وَاعْتَذَرَ ابْنُ الصَّبَّاغِ عَنْ كَوْنِهِ شَهَادَةً عَلَى شَهَادَةٍ مَعَ حُضُورِ الْأَصْلِ لَا لِحَاجَةٍ؛ لِأَنَّ الْمُزَكِّينَ لَا يُكَلَّفُونَ الْحُضُورَ، وَيُعْتَبَرُ فِيمَنْ نَصَّبَ حَاكِمًا فِي الْجُرْحِ وَالتَّعْدِيلِ صِفَاتُ الْقُضَاةِ.
المتن: وَشَرْطُهُ كَشَاهِدٍ مَعَ مَعْرِفَةِ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ، وَخُبْرَةِ بَاطِنِ مَنْ يَعْدِلُهُ لِصُحْبَةٍ أَوْ جِوَارٍ أَوْ مُعَامَلَةٍ، وَالْأَصَحُّ اشْتِرَاطُ لَفْظِ شَهَادَتِهِ، وَ أَنَّهُ يَكْفِي: هُوَ عَدْلٌ، وَقِيلَ يَزِيدُ عَلَيَّ وَلِي، وَيَجِبُ ذِكْرُ سَبَبِ الْجَرْحِ، وَيَعْتَمِدُ فِيهِ الْمُعَايَنَةَ أَوْ الِاسْتِفَاضَةَ، وَيُقَدَّمُ عَلَى التَّعْدِيلِ.
الشَّرْحُ: (وَشَرْطُهُ) أَيْ الْمُزَكِّي الَّذِي يَشْهَدُ بِالْعَدَالَةِ مَثَلًا (كَشَاهِدٍ) أَيْ كَشَرْطِهِ، وَقَضِيَّتُهُ عَدَمُ شَهَادَةِ الْأَبِ بِتَعْدِيلِ الِابْنِ وَعَكْسُهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ (مَعَ مَعْرِفَةِ) أَسْبَابِ (الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ) لِئَلَّا يَجْرَحَ الْعَدْلَ وَيُزَكِّيَ الْفَاسِقَ (وَخُبْرَةِ بَاطِنِ مَنْ يَعْدِلُهُ لِصُحْبَةٍ أَوْ جِوَارٍ) بِكَسْرِ الْجِيمِ أَفْصَحُ مِنْ ضَمِّهَا (أَوْ مُعَامَلَةٍ) وَنَحْوِهَا، فَعَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّ اثْنَيْنِ شَهِدَا عِنْدَهُ، فَقَالَ لَهُمَا إنِّي لَا أَعْرِفُكُمَا وَلَا يَضُرُّكُمَا أَنِّي لَا أَعْرِفُكُمَا، ائْتِيَا بِمَنْ يَعْرِفُكُمَا فَأَتَيَا بِرَجُلٍ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ كَيْفَ تَعْرِفُهُمَا؟. قَالَ: بِالصَّلَاحِ وَالْأَمَانَةِ، قَالَ: هَلْ كُنْت جَارًا لَهُمَا تَعْرِفُ صَبَاحَهُمَا وَمَسَاءَهُمَا وَمَدْخَلَهُمَا وَمَخْرَجَهُمَا؟. قَالَ: لَا، قَالَ: هَلْ عَامَلْتَهُمَا بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ الَّتِي يُعْرَفُ بِهِمَا أَمَانَاتُ الرِّجَالِ؟ قَالَ: لَا. قَالَ: هَلْ صَاحِبْتَهُمَا فِي السَّفَرِ الَّذِي يُسْفِرُ عَنْ أَخْلَاقِ الرِّجَالِ؟ قَالَ: لَا. قَالَ فَأَنْتَ لَا تَعْرِفُهُمَا ائْتِيَا بِمَنْ يَعْرِفُكُمَا. وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ أَسْبَابَ الْفِسْقِ خَفِيَّةٌ غَالِبًا، فَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ الْمُزَكِّي حَالَ مَنْ يُزَكِّيهِ، وَيُشْتَرَطُ عِلْمُ الْقَاضِي بِأَنَّهُ خَبِيرٌ بِبَاطِنِ الْحَالِ إلَّا إذَا عَلِمَ مِنْ عَدَالَتِهِ أَنَّهُ لَا يُزَكِّي إلَّا بَعْدَ الْخُبْرَةِ فَيَعْتَمِدُهُ، وَلَا يَعْتَبِرُ فِي خُبْرَةِ الْبَاطِنِ التَّقَادُمُ فِي مَعْرِفَتِهَا، بَلْ يَكْتَفِي بِشِدَّةِ الْفَحْصِ وَلَوْ غَرِيبًا يَصِلُ الْمُزَكِّي بِفَحْصِهِ إلَى كَوْنِهِ خَبِيرًا بِبَاطِنِهِ فَحِينَ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ عَدَالَتُهُ بِاسْتِفَاضَةٍ شَهِدَ بِهَا. وَاحْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: مَنْ يَعْدِلُهُ عَنْ الشَّاهِدِ بِالْجَرْحِ، فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْخُبْرَةُ الْبَاطِنَةُ فَإِنَّهُ لَا يَقْبَلُ إلَّا مُفَسِّرًا، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ اعْتِبَارِ شُرُوطِ الشَّاهِدِ مَحِلُّهُ فِي غَيْرِ الْمَنْصُوبِ، أَمَّا مَنْ نَصَّبَ حَاكِمًا فِي الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ فَيَعْتَبِرُ فِيهِ صِفَاتِ الْقَاضِي كَمَا مَرَّ، وَقَوْلُهُ: " وَخُبْرَةِ " هُوَ مَجْرُورٌ بِالْعَطْفِ عَلَى قَوْلِهِ: مَعَ مَعْرِفَةِ، وَجَوَّزَ ابْنُ الْفِرْكَاحِ رَفْعَهُ بِالْعَطْفِ عَلَى خَبَرِ قَوْلِهِ: وَشَرْطُهُ خِبْرَةٌ (وَالْأَصَحُّ اشْتِرَاطُ لَفْظِ شَهَادَتِهِ) مِنْ الْمُزَكِّي، فَيَقُولُ: أَشْهَدُ أَنَّهُ عَدْلٌ أَوْ غَيْرُ عَدْلٍ لِكَذَا كَسَائِرِ الشَّهَادَاتِ وَالثَّانِي لَا يُشْتَرَطُ لَفْظُهَا، بَلْ يَكْفِي أَعْلَمُ وَأَتَحَقَّقُ وَهُوَ شَاذٌّ (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّهُ يَكْفِي) مَعَ لَفْظِ الشَّهَادَةِ قَوْلُ الْمُزَكِّي (هُوَ عَدْلٌ) لِأَنَّهُ أَثْبَتَ الْعَدَالَةَ الَّتِي اقْتَضَاهَا ظَاهِرُ قَوْله تَعَالَى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} وَهَذَا مَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي حَرْمَلَةَ (وَقِيلَ) وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ (يَزِيدُ) عَلَى ذَلِكَ، قَوْلُهُ (عَلَيَّ وَلِي) لِأَنَّ قَوْلَهُ: هُوَ عَدْلٌ لَا يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ عَدْلًا فِي شَيْءٍ دُونَ شَيْءٍ فَهَذِهِ الزِّيَادَةُ تُزِيلُ الِاحْتِمَالَ وَعَلَى الْأَوَّلِ تَأْكِيدٌ، وَلَوْ شَهِدَ عِنْدَ الْقَاضِي جَمَاعَةٌ وَأَشْكَلَ عَلَيْهِ عَدَالَتُهُمْ، فَأَخْبَرَ نَائِبَ الْقَاضِي أَنَّ اثْنَيْنِ مِنْهُمْ عَدْلَانِ، فَإِنْ عَيَّنَهُمَا حَكَمَ وَإِلَّا فَلَا (وَيَجِبُ ذِكْرُ سَبَبِ الْجَرْحِ) صَرِيحًا كَقَوْلِهِ: هُوَ زَانٍ أَوْ قَاذِفٌ أَوْ سَارِقٌ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ، أَوْ يَقُولُ مَا يَعْتَقِدُهُ مِنْ الْبِدْعَةِ الْمُنْكَرَةِ؛ لِأَنَّ أَسْبَابَ الْجَرْحِ مُخْتَلَفٌ فِيهَا؛ فَلَا بُدَّ مِنْ الْبَيَانِ لِيَفْعَلَ الْقَاضِي بِاجْتِهَادِهِ، وَيَكْفِي ذِكْرُ بَعْضِ أَسْبَابٍ، وَقِيلَ: إنْ كَانَ الْجَارِحُ عَالِمًا بِالْأَسْبَابِ اكْتَفَى بِإِطْلَاقِهِ وَإِلَّا فَلَا. تَنْبِيهٌ: مَحِلُّ الْخِلَافِ فِي غَيْرِ الْمَنْصُوبِ لِلْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ. أَمَّا هُوَ فَلَيْسَ لِلْحَاكِمِ سُؤَالُهُ عَنْ السَّبَبِ كَمَا نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ عَنْ الْمَطْلَبِ عَنْ ابْنِ الصَّبَّاغِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَحْتَجْ فِي التَّعْدِيلِ إلَى بَيَانِ سَبَبِ الْعَدَالَةِ؛ لِأَنَّ أَسْبَابَهَا كَثِيرَةٌ غَيْرُ مُنْحَصِرَةٍ وَلَا يَجْعَلُ الْجَارِحَ بِذِكْرِ الزِّنَا قَاذِفًا، وَإِنْ انْفَرَدَ؛ لِأَنَّهُ مَسْئُولٌ فَهُوَ فِي حَقِّهِ فَرْضُ كِفَايَةٍ أَوْ عَيْنٍ، بِخِلَافِ شُهُودِ الزِّنَا إذَا نَقَصُوا عَنْ الْأَرْبَعَةِ، فَإِنَّهُمْ قَذَفَةٌ؛ لِأَنَّهُمْ مَنْدُوبُونَ إلَى السَّتْرِ فَهُمْ مُقَصِّرُونَ، وَلَوْ قَالَ الشَّاهِدُ: أَنَا مَجْرُوحٌ قَبْلُ وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ السَّبَبَ كَمَا قَالَهُ الْهَرَوِيُّ، وَإِنَّمَا يَكُونُ الْجَرْحُ وَالتَّعْدِيلُ عِنْدَ الْقَاضِي أَوْ مَنْ يُعَيِّنُهُ الْقَاضِي لِذَلِكَ (وَيَعْتَمِدُ) الْجَارِحُ (فِيهِ) أَيْ الْجَرْحِ (الْمُعَايَنَةَ) كَأَنْ رَآهُ يَزْنِي أَوْ السَّمَاعَ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمُحَرَّرِ كَمَا إذَا سَمِعَهُ يَقْذِفُ إنْسَانًا أَوْ يُقِرُّ عَلَى نَفْسِهِ بِذَلِكَ (أَوْ الِاسْتِفَاضَةَ) عَنْهُ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا يَجْرَحُهُ أَوْ التَّوَاتُرُ كَمَا فُهِمَ بِالْأَوْلَى، وَكَذَا شَهَادَةُ عَدْلَيْنِ مَثَلًا بِشَرْطِهِ لِحُصُولِ الْعِلْمِ أَوْ الظَّنِّ بِذَلِكَ، وَفِي اشْتِرَاطِ ذِكْرِ مَا يَعْتَمِدُهُ مِنْ مُعَايَنَةٍ وَنَحْوِهَا وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا وَهُوَ الْأَظْهَرُ: نَعَمْ، فَعَلَى هَذَا لَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ: رَأَيْتُهُ يَزْنِي أَوْ سَمِعْتُهُ يَقْذِفُ أَوْ نَحْوُ ذَاكَ، وَثَانِيهِمَا وَهُوَ الْأَقْيَسُ: لَا، ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، وَيُحْكَى هَذَا عَنْ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَهُوَ الظَّاهِرُ فِي سَائِرِ الشَّهَادَاتِ. تَنْبِيهٌ: إذَا لَمْ يَقْبَلْ الْجَرْحَ يُفِيدُ التَّوَقُّفُ عَنْ الِاحْتِجَاجِ بِالْمَجْرُوحِ إلَى أَنْ يَبْحَثَ عَنْ ذَلِكَ الْجَرْحِ، ذَكَرَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ وَالْمُصَنِّفُ فِي الرِّوَايَةِ. قَالَ ابْنُ النَّقِيبِ: وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الرِّوَايَةِ وَالشَّهَادَةِ فِيمَا يَظْهَرُ (وَيُقَدَّمُ) الْجَرْحُ أَيْ بَيِّنَتُهُ (عَلَى) بَيِّنَةِ (التَّعْدِيلِ) سَوَاءٌ أَكَانَتْ بَيِّنَةُ الْجَارِحِ أَكْثَرَ أَمْ لَا لِزِيَادَةِ عِلْمِهَا، فَإِنَّ بَيِّنَةَ التَّعْدِيلِ ثَبَتَ أَمْرُهَا عَلَى مَا ظَهَرَ مِنْ الْأَسْبَابِ الدَّالَّةِ عَلَى الْعَدَالَةِ وَخَفِيَ عَلَيْهَا مَا اطَّلَعَ عَلَيْهِ بَيِّنَةُ الْجَارِحِ مِنْ السَّبَبِ الَّتِي جَرَحَتْهُ بِهِ كَمَا لَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِالْحَقِّ وَبَيِّنَةٌ بِالْإِبْرَاءِ.
المتن: فَإِنْ قَالَ الْمُعَدِّلُ: عَرَفْتُ سَبَبَ الْجَرْحِ وَتَابَ مِنْهُ وَأَصْلَحَ قُدِّمَ.
الشَّرْحُ: (فَإِنْ قَالَ الْمُعَدِّلُ) بِكَسْرِ الدَّالِ بِخَطِّهِ (عَرَفْتُ سَبَبَ الْجَرْحِ وَتَابَ مِنْهُ وَأَصْلَحَ قُدِّمَ) قَوْلُهُ عَلَى قَوْلِ الْجَارِحِ لِأَنَّ مَعَهُ حِينَئِذٍ زِيَادَةَ عِلْمٍ بِجَرَيَانِ التَّوْبَةِ وَصَلَاحِ الْحَالِ بَعْدَ وُجُودِ السَّبَبِ الَّذِي اعْتَمَدَهُ الْجَارِحُ. تَنْبِيهٌ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ إحْدَى مَسْأَلَتَيْنِ تُقَدَّمُ فِيهِمَا بَيِّنَةُ التَّعْدِيلِ عَلَى الْجَرْحِ، وَالثَّانِيَةُ: لَوْ جُرِحَ بِبَلَدٍ ثُمَّ انْتَقَلَ لِآخَرَ فَعَدَّلَهُ اثْنَانِ قُدِّمَ التَّعْدِيلُ كَمَا قَالَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الذَّخَائِرِ: وَلَا يُشْتَرَطُ اخْتِلَافُ الْبَلَدَيْنِ، بَلْ لَوْ كَانَا فِي بَلَدٍ وَاخْتَلَفَ الزَّمَانُ فَكَذَلِكَ ا هـ. وَحَاصِلُ الْأَمْرِ تَقْدِيمُ الْبَيِّنَةِ الَّتِي مَعَهَا زِيَادَةُ عِلْمٍ مَنْ جَرْحٍ أَوْ تَعْدِيلٍ. وَلَوْ عُدِّلَ الشَّاهِدُ فِي وَاقِعَةٍ ثُمَّ شَهِدَ فِي أُخْرَى وَطَالَ بَيْنَهُمَا زَمَنٌ اسْتَبْعَدَهُ الْقَاضِي بِاجْتِهَادِهِ طَلَبَ تَعْدِيلَهُ ثَانِيًا؛ لِأَنَّ طُولَ الزَّمَنِ يُغَيِّرُ الْأَحْوَالَ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَطُلْ، وَلَوْ عُدِّلَ فِي مَالٍ قَلِيلٍ هَلْ يَعْمَلُ بِذَلِكَ التَّعْدِيلِ الْمَذْكُورِ فِي شَهَادَتِهِ بِالْمَالِ الْكَثِيرِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعَدَالَةَ لَا تَتَجَزَّأُ أَوَّلًا بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا تَتَجَزَّأُ؟، وَجْهَانِ. قَالَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ: الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ الْأَوَّلِ، فَمَنْ قُبِلَ فِي دِرْهَمٍ قُبِلَ فِي الْأَلْفِ، نَقَلَهُ عَنْهُ الْأَذْرَعِيُّ وَأَقَرَّهُ. وَلَوْ عُدِّلَ الشَّاهِدُ عِنْدَ الْقَاضِي فِي غَيْرِ مَحِلِّ وِلَايَتِهِ لَمْ يُعْمَلْ بِشَهَادَتِهِ إذَا عَادَ إلَى مَحِلِّ وِلَايَتِهِ، إذْ لَيْسَ هَذَا قَضَاءٌ بِعِلْمٍ، بَلْ بِبَيِّنَةٍ فَهُوَ كَمَا لَوْ سَمِعَ الْبَيِّنَةَ خَارِجَ وِلَايَتِهِ.
المتن: وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَكْفِي فِي التَّعْدِيلِ قَوْلُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: هُوَ عَدْلٌ، وَقَدْ غَلِطَ.
الشَّرْحُ: (وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَكْفِي فِي التَّعْدِيلِ) (قَوْلُ) الْخَصْمِ (الْمُدَّعَى عَلَيْهِ) وَهُوَ عَارِفٌ بِالتَّعْدِيلِ أَهْلٌ لِلْإِقْرَارِ بِالْحَقِّ الْمُدَّعَى بِهِ (هُوَ) أَيْ الشَّاهِدُ (عَدْلٌ وَقَدْ غَلِطَ) عَلَيَّ فِي شَهَادَتِهِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْبَحْثِ وَالتَّعْدِيلِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِزْكَاءَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى؛ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ الْحُكْمُ بِشَهَادَةِ فَاسِقٍ وَإِنْ رَضِيَ الْخَصْمُ. تَنْبِيهٌ: كَلَامُهُ يَقْتَضِي أَنَّ مُقَابِلَ الْأَصَحِّ الِاكْتِفَاءُ بِذَلِكَ فِي التَّعْدِيلِ وَلَا قَائِلَ بِهِ، وَإِنَّمَا مُقَابِلُهُ الِاكْتِفَاءُ بِهِ فِي الْحُكْمِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ وَقَدْ اعْتَرَفَ بِعَدَالَتِهِ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَقَوْلُهُ وَقَدْ غَلِطَ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ، بَلْ اعْتِرَافُهُ بِعَدَالَتِهِ يَقْتَضِي جَرَيَانَ الْوَجْهَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ غَلِطَ. خَاتِمَةٌ: تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْحِسْبَةِ فِي الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ كَمَا سَيَأْتِي؛ لِأَنَّ الْبَحْثَ عَنْ حَالِ الشُّهُودِ وَمَنْعَ الْحُكْمِ بِشَهَادَةِ الْفَاسِقِ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى. وَيُسَنُّ لِلْقَاضِي قَبْلَ التَّزْكِيَةِ أَنْ يُفَرِّقَ شُهُودًا أَرْبَابَ تُهَمٍ أَوْ تَوَهَّمَ غَلَطَهُمْ لِخِفَّةِ عَقْلٍ وَجَدَهَا فِيهِمْ وَيَسْأَلُ كُلًّا مِنْهُمْ عَنْ زَمَانِ مَحِلِّ الشَّهَادَةِ عَامًا وَشَهْرًا وَيَوْمًا أَوْ غَدْوَةً أَوْ عَشِيَّةً، وَعَمَّنْ كَتَبَ شَهَادَتَهُ مَعَهُ، وَأَنَّهُ كُتِبَ بِحِبْرٍ أَوْ مِدَادٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ لِيُسْتَدَلَّ عَلَى صِدْقِهِمْ إنْ اتَّفَقَتْ كَلِمَتُهُمْ وَإِلَّا فَيَقِفُ عَنْ الْحُكْمِ، وَإِذَا أَجَابَهُ أَحَدُهُمْ لَمْ يَدَعْهُ يَرْجِعُ إلَى الْبَاقِينَ حَتَّى يَسْأَلَهُمْ لِئَلَّا يُخْبِرَهُمْ بِجَوَابِهِ، فَإِنْ امْتَنَعُوا مِنْ التَّفْصِيلِ وَرَأَى أَنْ يَعِظَهُمْ وَيُحَذِّرَهُمْ عُقُوبَةَ شَهَادَةِ الزُّورِ وَعَظَهُمْ وَحَذَّرَهُمْ، فَإِنْ أَصَرُّوا عَلَى شَهَادَتِهِمْ وَلَمْ يَفْصِلُوا وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ إذَا وُجِدَتْ شُرُوطُهُ، وَلَا عِبْرَةَ بِمَا يَبْقَى مِنْ رِيبَةٍ، وَإِنَّمَا اُسْتُحِبَّ لَهُ ذَلِكَ قَبْلَ التَّزْكِيَةِ لَا بَعْدَهَا؛ لِأَنَّهُ إنْ اطَّلَعَ عَلَى عَوْرَةٍ اسْتَغْنَى عَنْ الِاسْتِزْكَاءِ وَالْبَحْثِ عَنْ حَالِهِمْ وَإِنْ لَمْ يَرْتَبْ فِيهِمْ وَلَا تَوَهَّمَ غَلَطَهُمْ فَلَا يُفَرِّقْهُمْ وَإِنْ طَلَبَ مِنْهُ الْخَصْمُ تَفْرِيقَهُمْ؛ لِأَنَّ فِيهِ غَضًّا مِنْهُمْ انْتَهَى.
المتن: هُوَ جَائِزٌ إنْ كَانَ بَيِّنَةٌ.
الشَّرْحُ: (بَابُ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ) عَنْ الْبَلَدِ أَوْ عَنْ الْمَجْلِسِ وَتَوَارَى أَوْ تَعَزَّزَ مَعَ مَا يُذْكَرُ مَعَهُ وَالدَّعْوَى عَلَى الْغَائِبِ إمَّا مِنْ صَاحِبِ الْحَقِّ أَوْ وَكِيلِهِ كَمَا سَيَأْتِي، وَبَدَأَ الْمُصَنِّفُ بِالْأَوَّلِ فَقَالَ (هُوَ جَائِزٌ) بِشَرْطِهِ الْآتِي لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ وَلِقَوْلِ عُمَرَ فِي خُطْبَتِهِ: مَنْ كَانَ لَهُ عَلَى الْأَسْفِعِ - بِالْفَاءِ الْمَكْسُورَةِ - مَالٌ فَلْيَأْتِنَا غَدًا، فَإِنَّا بَايِعُوا مَالَهُ وَقَاسِمُوهُ بَيْنَ غُرَمَائِهِ وَكَانَ غَائِبًا وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِهِنْدٍ: {خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ} وَهُوَ قَضَاءٌ مِنْهُ عَلَى زَوْجِهَا، وَلَوْ كَانَ فَتْوَى لَقَالَ: لَكِ أَنْ تَأْخُذِي، أَوْ لَا بَأْسَ عَلَيْكِ أَوْ نَحْوَهُ، وَلَمْ يَقُلْ: خُذِي؛ لِأَنَّ الْمُفْتِيَ لَا يَقْطَعُ، فَلَمَّا قَطَعَ كَانَ حُكْمًا. كَذَا اسْتَدَلُّوا بِهِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: لَا يَصِحُّ الِاسْتِدْلَال بِهِ؛ لِأَنَّ أَبَا سُفْيَانَ كَانَ حَاضِرًا بِمَكَّةَ، فَإِنَّ الْوَاقِعَةَ كَانَتْ بِمَكَّةَ لَمَّا حَضَرَتْ هِنْدٌ الْمُبَايَعَةَ، وَذَكَرَ الرَّافِعِيُّ فِي النَّفَقَاتِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ اسْتِفْتَاءً قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: وَهُوَ الَّذِي يَظْهَرُ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُحَلِّفْهَا، وَلَمْ يُقَدِّرْ الْمَحْكُومَ بِهِ لَهَا، وَلَمْ تَجْرِ دَعْوَى عَلَى مَا شَرَطُوهُ ا هـ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ الْوَاقِعَةُ وَقَعَتْ مَرَّتَيْنِ، وَصَحَّ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ حَكَمَ فِي امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ أَنَّهَا تَتَرَبَّصُ أَرْبَعَ سِنِينَ وَأَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا. وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ: صَحَّ عَنْ عُثْمَانَ الْقَضَاءُ عَلَى الْغَائِبِ وَلَا مُخَالِفَ لَهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ، وَلِأَنَّ الْبَيِّنَةَ مَسْمُوعَةٌ بِالِاتِّفَاقِ عَلَى الْغَائِبِ، فَلْيَجِبْ الْحُكْمُ بِهَا كَالْبَيِّنَةِ الْمَسْمُوعَةِ عَلَى الْحَاضِرِ السَّاكِتِ، وَأَيْضًا فَالْحُكْمُ عَلَى الْمَيِّتِ وَالصَّغِيرِ جَائِزٌ، وَهُمَا أَعْجَزُ عَنْ الدَّفْعِ مِنْ الْغَائِبِ، وَلِأَنَّ فِي الْمَنْعِ مِنْهُ إضَاعَةً لِلْحُقُوقِ الَّتِي نُدِبَ الْحُكَّامُ إلَى حِفْظِهَا فَإِنَّهُ لَا يَعْجِزُ الْمُمْتَنِعُ مِنْ الْوَفَاءِ عَنْ الْغَيْبَةِ، وَأَلْحَقَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ بِالْغَائِبِ مَا إذَا أَحْضَرَهُ الْمَجْلِسَ فَهَرَبَ قَبْلَ أَنْ يَسْمَعَ الْحَاكِمُ الْبَيِّنَةَ أَوْ بَعْدَهُ وَقَبْلَ الْحُكْمِ فَإِنَّهُ يَحْكُمُ عَلَيْهِ قَطْعًا، وَإِنَّمَا يَسْمَعُ الدَّعْوَى وَيَقْضِي بِهَا عَلَى الْغَائِبِ (إنْ) بَيَّنَ الْمُدَّعِي مَا يَدَّعِي بِهِ وَقَدْرَهُ وَنَوْعَهُ وَوَصْفَهُ وَقَالَ: إنِّي طَالِبٌ بِحَقِّي وَ (كَانَ) لِلْمُدَّعِي (بَيِّنَةٌ) وَلَوْ شَاهِدًا وَيَمِينًا فِيمَا يَقْضِي فِيهِ بِهِمَا؛ لِأَنَّ الدَّعْوَى لِقَصْدِ ثُبُوتِ الْحَقِّ، وَطَرِيقُهُ مَحْصُورَةٌ فِي إقْرَارٍ أَوْ يَمِينٍ مَرْدُودَةٍ أَوْ بَيِّنَةٍ، وَالْأَوَّلَانِ مَفْقُودَانِ عِنْدَ غَيْبَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. تَنْبِيهٌ: كَلَامُهُ يُوهِمُ جَوَازَ الدَّعْوَى عَلَى الْغَائِبِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ وَلَيْسَ مُرَادًا، فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَعْتَبِرَ ذَلِكَ فِي صِحَّةِ الدَّعْوَى كَمَا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ وَإِنْ نَازَعَ الْبُلْقِينِيُّ فِي اشْتِرَاطِ الْبَيِّنَةِ فِي صِحَّةِ سَمَاعِ الدَّعْوَى. وَقَالَ: الدَّعْوَى صَحِيحَةٌ بِدُونِهِ، وَلَكِنْ لَا يَحْكُمُ الْقَاضِي إلَّا أَنْ يَسْتَنِدَ قَضَاؤُهُ إلَى الْحُجَّةِ الْمُعْتَبَرَةِ، وَلَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِالْحُجَّةِ بَدَلَ الْبَيِّنَةِ لِيَشْمَلَ عِلْمُ الْقَاضِي الْوَاقِعَةَ إذَا سَوَّغْنَا الْحُكْمَ؛ لَكَانَ أَوْلَى.
المتن: وَادَّعَى الْمُدَّعِي جُحُودَهُ، فَإِنْ قَالَ هُوَ مُقِرٌّ لَمْ تُسْمَعْ بَيِّنَتُهُ، وَإِنْ أَطْلَقَ فَالْأَصَحُّ أَنَّهَا تُسْمَعُ.
الشَّرْحُ: وَقَوْلُهُ: (وَادَّعَى الْمُدَّعِي) عَلَى الْغَائِبِ (جُحُودَهُ) أَيْ الْحَقِّ الْمُدَّعَى بِهِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الدَّعْوَى وَسَمَاعِ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْغَائِبِ، وَلَا يُكَلَّفُ الْبَيِّنَةَ بِالْجُحُودِ بِالِاتِّفَاقِ كَمَا حَكَاهُ الْإِمَامُ. ثُمَّ اسْتَشْكَلَهُ بِأَنَّهُ إنْ كَانَ يَدَّعِي جُحُودَهُ فِي الْحَالِ فَهُوَ مُحَالٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ وَإِنْ كَانَ يَدَّعِي جُحُودَهُ لِمَا كَانَ حَاضِرًا فَالْقَضَاءُ فِي الْحَالِ لَا يَرْتَبِطُ بِجُحُودِ مَاضٍ ا هـ. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْأَصْلَ اسْتِمْرَارُ الْجُحُودِ. تَنْبِيهٌ: يَقُومُ مَقَامَ الْجُحُودِ مَا فِي مَعْنَاهُ كَمَا لَوْ اشْتَرَى عَيْنًا وَخَرَجَتْ مُسْتَحِقَّةً فَادَّعَى الثَّمَنَ عَلَى الْبَائِعِ الْغَائِبِ فَلَا خِلَافَ أَنَّهَا تُسْمَعُ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ الْجُحُودَ، وَإِقْدَامُهُ عَلَى الْبَيْعِ كَافٍ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى جُحُودِهِ، قَالَهُ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ (فَإِنْ قَالَ هُوَ) أَيْ الْغَائِبُ (مُقِرٌّ) وَأَنَا أُقِيمُ الْبَيِّنَةَ اسْتِظْهَارًا مَخَافَةَ أَنْ يُنْكِرَ لَغَتْ دَعْوَاهُ وَ (لَمْ تُسْمَعْ بَيِّنَتُهُ) لِتَصْرِيحِهِ بِالْمُنَافِي لِسَمَاعِهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تُقَامُ عَلَى مُقِرٍّ. تَنْبِيهٌ: هَذَا إنْ أَرَادَ بِإِقَامَتِهَا أَنْ يَكْتُبَ الْقَاضِي بِذَلِكَ لِحَاكِمِ بَلَدِ الْغَائِبِ، فَلَوْ كَانَ لِلْغَائِبِ مَالٌ حَاضِرٌ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى دَيْنِهِ لِيُوَفِّيَهُ الْقَاضِي حَقَّهُ سُمِعَتْ، وَإِنْ قَالَ: هُوَ مُقِرٌّ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا عَنْ فَتَاوَى الْقَفَّالِ، وَزَادَ الْبُلْقِينِيُّ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ صُوَرًا أُخَرَ. أَحَدُهَا: لَوْ قَالَ: هُوَ مُقِرٌّ وَلَكِنَّهُ مُمْتَنِعٌ سُمِعَتْ بَيِّنَتُهُ وَحُكِمَ بِهَا. ثَانِيهَا: إذَا كَانَتْ بَيِّنَتُهُ شَاهِدَةً بِالْإِقْرَارِ فَإِنَّهُ يَقُولُ عِنْدَ مُطَابَقَةِ دَعْوَاهُ بَيِّنَتَهُ: أَقَرَّ فُلَانٌ بِكَذَا وَلِي بِهِ بَيِّنَةٌ. قَالَ: فَإِنْ قِيلَ: لِمَ لَمْ يَقُلْ هُوَ مُقِرٌّ الْآنَ بِخِلَافِ صُورَةِ الْقَفَّالِ؟ قُلْنَا: قَوْلُهُ: أَقَرَّ يَقْتَضِي دَوَامَ الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ إقْرَارٍ لَكِنَّهُ ضِمْنِيٌّ وَيُغْتَفَرُ فِي الضِّمْنِيِّ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الِاسْتِقْلَالِ. ثَالِثُهَا: لَوْ كَانَ الْغَائِبُ لَا يَقْبَلُ إقْرَارُهُ لِسَفَهٍ وَنَحْوِهِ فَلَا يَمْنَعُ قَوْلُهُ هُوَ مُقِرٌّ مِنْ سَمَاعِ بَيِّنَةِ الْمُدَّعِي، وَكَذَا الْمُفْلِسُ يُقِرُّ بِدَيْنِ مُعَامَلَةٍ بَعْدَ الْحَجْرِ فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ فِي حَقِّ الْغُرَمَاءِ فَلَا يَضُرُّ قَوْلُ الْمُدَّعِي فِي غَيْبَتِهِ أَنَّهُ مُقِرٌّ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ لَا يُؤَثِّرُ، وَكَذَا لَوْ قَالَ: هَذِهِ الدَّارُ لِزَيْدٍ بَلْ لِعَمْرٍو فَادَّعَاهَا عَمْرٌو فِي غَيْبَتِهِ لِيُقِيمَ بَيِّنَتَهُ لَا يَضُرُّهُ قَوْلُهُ وَهُوَ مُقِرٌّ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ فِي الْعَقْدِ الَّذِي وَقَعَتْ بِهِ الدَّعْوَى. قَالَ: وَيُتَصَوَّرُ نَحْوُ ذَلِكَ فِي الرَّهْنِ وَالْجِنَايَةِ وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِذَلِكَ (وَإِنْ أَطْلَقَ) الْمُدَّعِي بِأَنْ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِجُحُودِ الْغَائِبِ وَلَا لِإِقْرَارِهِ (فَالْأَصَحُّ أَنَّهَا) أَيْ بَيِّنَتُهُ (تُسْمَعُ) لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَعْلَمُ جُحُودَهُ فِي غَيْبَتِهِ وَيَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِ حَقِّهِ، فَيَجْعَلُ غَيْبَتَهُ كَسُكُوتِهِ. وَالثَّانِي: لَا تُسْمَعُ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ إنَّمَا يُحْتَاجُ إلَيْهَا عِنْدَ الْجُحُودِ.
المتن: وَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْقَاضِي نَصْبُ مُسَخَّرٍ يُنْكِرُ عَلَى الْغَائِبِ.
الشَّرْحُ: (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْقَاضِي) (نَصْبُ مُسَخَّرٍ) بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ (يُنْكِرُ عَلَى الْغَائِبِ) عِنْدَ الدَّعْوَى عَلَيْهِ. قَالَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ: لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ مُقِرًّا فَيَكُونُ إنْكَارُ الْمُسَخَّرِ كَذِبًا. قَالَ: وَمُقْتَضَى هَذَا التَّوَجُّهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ نَصْبُهُ لَكِنَّ الَّذِي ذَكَرَهُ الْعَبَّادِيُّ وَغَيْرُهُ: أَنَّ الْقَاضِيَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ النَّصْبِ وَعَدَمِهِ انْتَهَى، فَقَوْلُ ابْنِ الْمُقْرِي: أَنَّ نَصْبَهُ مُسْتَحَبٌّ قَالَ شَيْخُنَا: قَدْ يَتَوَقَّفُ فِيهِ. وَالثَّانِي: يَلْزَمُهُ لِتَكُونَ الْبَيِّنَةُ عَلَى إنْكَارِ مُنْكِرٍ.
المتن: وَيَجِبُ أَنْ يُحَلِّفَهُ بَعْدَ الْبَيِّنَةِ إنَّ الْحَقَّ ثَابِتٌ فِي ذِمَّتِهِ، وَقِيلَ: يُسْتَحَبُّ، وَيَجْرِيَانِ فِي دَعْوَى عَلَى صَبِيٍّ أَوْ مَجْنُونٍ.
الشَّرْحُ: (وَيَجِبُ) عَلَى الْقَاضِي (أَنْ يُحَلِّفَهُ) أَيْ الْمُدَّعِيَ يَمِينَ الِاسْتِظْهَارِ (بَعْدَ) إقَامَةِ (الْبَيِّنَةِ) أَيْ وَتَعْدِيلِهَا وَقَبْلَ تَوْفِيَةِ الْحَقِّ (إنَّ الْحَقَّ) الَّذِي لِي عَلَى الْغَائِبِ (ثَابِتٌ فِي ذِمَّتِهِ) إلَى الْآنَ وَأَنَّهُ يَجِبُ تَسْلِيمُهُ إلَيَّ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا احْتِيَاطًا لِلْمَحْكُومِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ حَضَرَ رُبَّمَا ادَّعَى مَا يُبَرِّئُهُ مِنْهُ، هَذَا أَقَلُّ مَا يَكْفِي وَالْأَكْمَلُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ أَنَّهُ مَا أَبْرَأَهُ مِنْ الدَّيْنِ الَّذِي يَدَّعِيهِ وَلَا مِنْ شَيْءٍ مِنْهُ، وَلَا اعْتَاضَ، وَلَا اسْتَوْفَى، وَلَا أَحَالَ عَلَيْهِ هُوَ وَلَا أَحَدٌ مِنْ جِهَتِهِ بَلْ هُوَ ثَابِتٌ فِي ذِمَّةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَلْزَمُهُ أَدَاؤُهُ. ثُمَّ قَالَ: وَيَجُوزُ أَنْ يَقْتَصِرَ فَيُحَلِّفَهُ عَلَى ثُبُوتِ الْمَالِ فِي ذِمَّتِهِ وَوُجُوبِ تَسْلِيمِهِ ا هـ. وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ ذِكْرُ لُزُومِ تَسْلِيمِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ ثَابِتًا فِي ذِمَّتِهِ، وَلَا يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُهُ لِتَأْجِيلٍ وَنَحْوِهِ (وَقِيلَ يُسْتَحَبُّ) تَحْلِيفُهُ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ التَّدَارُكُ إنْ كَانَ لَهُ دَافِعٌ. تَنْبِيهٌ: مَحِلُّ وُجُوبِ التَّحْلِيفِ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْغَائِبِ وَكِيلٌ حَاضِرٌ، وَإِلَّا لَمْ يَحْتَجْ إلَى ضَمِّ الْيَمِينِ إلَى الْبَيِّنَةِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ (وَيَجْرِيَانِ) هَذَانِ الْوَجْهَانِ (فِي دَعْوَى عَلَى صَبِيٍّ أَوْ مَجْنُونٍ) أَوْ مَيِّتٍ بِلَا وَارِثٍ خَاصٍّ، وَالْأَصَحُّ الْوُجُوبُ لِعَجْزِهِمْ عَنْ التَّدَارُكِ، فَإِنْ كَانَ لِلْمَيِّتِ وَارِثٌ خَاصٌّ اُعْتُبِرَ فِي الْحَلِفِ طَلَبُ الْوَارِثِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ فِي التَّرِكَةِ، وَمِثْلُهُ مَا لَوْ كَانَ لِلصَّبِيِّ أَوْ الْمَجْنُونِ نَائِبٌ خَاصٌّ، وَبِهِ صَرَّحَ صَاحِبُ الْمُهَذَّبِ وَالتَّهْذِيبِ وَغَيْرِهِمَا كَمَا نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَأَقَرَّهُ. تَنْبِيهٌ: قَدْ عُلِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا تَنَافِيَ بَيْنَ مَا ذُكِرَ هُنَا وَمَا ذُكِرَ فِي كِتَابِ دَعْوَى الدَّمِ وَالْقَسَامَةِ مِنْ أَنَّ شَرْطَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ مُكَلَّفًا مُلْتَزِمًا لِلْأَحْكَامِ، فَلَا تَصِحُّ الدَّعْوَى عَلَى صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ؛ لِأَنَّ مَحِلَّ ذَلِكَ عِنْدَ حُضُورِ وَلِيِّهِمَا فَتَكُونُ الدَّعْوَى عَلَى الْوَلِيِّ. أَمَّا عِنْدَ غَيْبَتِهِ فَالدَّعْوَى عَلَيْهِمَا كَالدَّعْوَى عَلَى الْغَائِبِ فَلَا تُسْمَعُ إلَّا أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ بَيِّنَةٌ وَيُحْتَاجُ مَعَهَا إلَى الْيَمِينِ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي يَمِينِ الِاسْتِظْهَارِ التَّعَرُّضُ لِصِدْقِ الشُّهُودِ بِخِلَافِ الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ لِكَمَالِ الْحُجَّةِ هُنَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ، وَأَفْهَمَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ أَنْ يُحَلِّفَهُ بَعْدَ الْبَيِّنَةِ أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ الْحُكْمُ عَلَيْهِ قَبْلَ التَّحْلِيفِ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَصْحَابِ، وَأَفْهَمَ اقْتِصَارُهُ فِي إلْحَاقِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ بِالْغَائِبِ فِي الْحَلِفِ أَنَّ الْمُدَّعِيَ عَلَى الْمُتَوَارِي أَوْ الْمُتَعَزِّزِ لَا يَحْلِفُ بَعْدَ الْبَيِّنَةِ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي الْفَصْلِ الْآتِي. فُرُوعٌ: لَوْ قَدِمَ الْغَائِبُ أَوْ كَمُلَ النَّاقِصُ، فَهُوَ عَلَى حُجَّتِهِ مِنْ قَادِحٍ فِي الْبَيِّنَةِ أَوْ مُعَارِضَةِ بَيِّنَتِهِ بِالْأَدَاءِ أَوْ الْإِبْرَاءِ شُرِطَ ذَلِكَ فِي الْحُكْمِ أَمْ لَا، وَلَوْ ادَّعَى قَيِّمٌ لِمُوَلِّيهِ شَيْئًا وَأَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى قَيِّمِ شَخْصٍ آخَرَ فَمُقْتَضَى كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ أَنَّهُ يَجِبُ انْتِظَارُ كَمَالِ الْمُدَّعَى لَهُ لِيَحْلِفَ ثُمَّ يَحْكُمَ لَهُ، وَإِنْ خَالَفَهُمَا السُّبْكِيُّ، وَقَالَ: الْوَجْهُ أَنَّهُ يَحْكُمُ لَهُ وَلَا يُنْتَظَرُ كَمَالُهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَتَرَتَّبُ عَلَى الِانْتِظَارِ ضَيَاعُ الْحَقِّ، وَلَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةُ عَلَى الْغَائِبِ بِإِسْقَاطِ حَقٍّ لَهُ؛ لِأَنَّ الدَّعْوَى بِذَلِكَ وَالْبَيِّنَةُ لَا تُسْمَعُ إلَّا بَعْدَ الْمُطَالَبَةِ بِالْحَقِّ. قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: وَطَرِيقُهُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَدَّعِيَ عَلَى إنْسَانٍ أَنَّ رَبَّ الدَّيْنِ أَحَالَهُ بِهِ فَيَعْتَرِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالدَّيْنِ لِرَبِّهِ وَبِالْحَوَالَةِ وَيَدَّعِي أَنَّهُ أَبْرَأَهُ مِنْهُ أَوْ أَقْبَضَهُ فَتُسْمَعُ الدَّعْوَى بِذَلِكَ وَالْبَيِّنَةُ، وَإِنْ كَانَ رَبُّ الدَّيْنِ حَاضِرًا بِالْبَلَدِ.
المتن: وَلَوْ ادَّعَى وَكِيلٌ عَلَى غَائِبٍ فَلَا تَحْلِيفَ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ) (ادَّعَى وَكِيلٌ) عَنْ غَائِبٍ بِحَقٍّ (عَلَى غَائِبٍ) عَنْ الْبَلَدِ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ، وَقُلْنَا كَمَا سَبَقَ بِوُجُوبِ التَّحْلِيفِ بَعْدَهَا (فَلَا تَحْلِيفَ) عَلَى الْوَكِيلِ، بَلْ يَحْكُمُ بِالْبَيِّنَةِ وَيُعْطِي الْمَالَ الْمُدَّعَى بِهِ إنْ كَانَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ هُنَاكَ مَالٌ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ لَا يَحْلِفُ يَمِينَ الِاسْتِظْهَارِ بِحَالٍ؛ لِأَنَّ الشَّخْصَ لَا يَسْتَحِقُّ بِيَمِينِ غَيْرِهِ، وَلَوْ وَقَّفْنَا الْأَمْرَ إلَى أَنْ يَحْضُرَ الْمُوَكِّلُ لَانْجَرَّ الْأَمْرُ إلَى تَعَذُّرِ اسْتِيفَاءِ الْحُقُوقِ بِالْوَكَالَةِ، وَأَفْهَمَ كَلَامُ الرَّوْضِ كَأَصْلِهِ أَنَّهُ لَا يُعْطِيهِ إنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَالٌ، وَالْمُتَّجَهُ كَمَا قَالَ التَّاجُ السُّبْكِيُّ خِلَافُهُ إنْ كَانَ الْمَالُ فِي مَحِلِّ عَمَلِهِ، وَقَدْ يَحْمِلُ قَوْلَهُ هُنَاكَ عَلَى مَحِلِّ وِلَايَتِهِ فَيَزُولُ الْإِشْكَالُ، ثُمَّ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ لِمَسْأَلَةٍ مُسْتَأْنَفَةٍ لَيْسَتْ مِنْ هَذَا الْبَابِ، وَلَا تَعَلُّقَ لَهَا بِمَا قَبْلَهَا، وَإِنْ أَوْهَمَ كَلَامُهُ خِلَافَهُ.
المتن: وَلَوْ حَضَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَقَالَ لِوَكِيلِ الْمُدَّعِي أَبْرَأَنِي مُوَكِّلُك أَمَرَ بِالتَّسْلِيمِ.
الشَّرْحُ: فَقَالَ (وَلَوْ) (حَضَرَ) أَيْ كَانَ (الْمُدَّعَى عَلَيْهِ) حَاضِرًا فَادَّعَى عَلَيْهِ وَكِيلُ شَخْصٍ غَائِبٍ بِحَقٍّ (وَ) أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ، ثُمَّ (قَالَ لِوَكِيلِ الْمُدَّعِي أَبْرَأَنِي مُوَكِّلُك) الْغَائِبُ عَمَّا ادَّعَيْته عَلَيَّ (أَمَرَ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (بِالتَّسْلِيمِ) لِلْحَقِّ الْمُدَّعَى بِهِ لِلْوَكِيلِ وَلَا يُؤَخِّرُ الْحَقَّ إلَى حُضُورِ الْمُوَكِّلِ الْغَائِبِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى تَعَذُّرِ اسْتِيفَاءِ الْحُقُوقِ بِالْوُكَلَاءِ، وَيُمْكِنُ ثُبُوتُ الْإِبْرَاءِ بَعْدَ ذَلِكَ إنْ كَانَ لَهُ حُجَّةٌ، وَكَذَا لَوْ ادَّعَى قَيِّمُ الصَّبِيِّ دَيْنًا لِلصَّبِيِّ. فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إنَّهُ أَتْلَفَ عَلَيَّ مِنْ جِنْسِ مَا يَدَّعِيهِ مَا هُوَ قَضَاءٌ لِدَيْنِهِ لَمْ يَنْفَعْهُ فِي تَأْخِيرِ قَضَاءِ مَا أَثْبَتَهُ الْقَيِّمُ، بَلْ يَقْضِيهِ فِي الْحَالِ، وَإِذَا بَلَغَ الصَّبِيُّ عَاقِلًا حَلَّفَهُ عَلَى نَفْيِ مَا ادَّعَاهُ مِنْ الْإِتْلَافِ. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا يَشْكُلُ عَلَى مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ مُقْتَضَى كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ أَنَّهُ يَجِبُ انْتِظَارُ كَمَالِ الْمُدَّعَى لَهُ. أُجِيبَ بِأَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ هُنَا أَنَّ قَيِّمَ الصَّبِيِّ ادَّعَى دَيْنًا لَهُ عَلَى حَاضِرٍ رَشِيدٍ اعْتَرَفَ بِهِ، وَلَكِنْ ادَّعَى وُجُودَ مُسْقِطِ صَدْرٍ مِنْ الصَّبِيِّ، وَهُوَ إتْلَافُهُ فَلَا يُؤَخِّرُ الِاسْتِيفَاءَ لِلْيَمِينِ الْمُتَوَجِّهَةِ عَلَى الصَّبِيِّ بَعْدَ بُلُوغِهِ وَمَا مَرَّ فِيمَا إذَا أَقَامَ قَيِّمُ الطِّفْلِ بَيِّنَةً وَقُلْنَا بِوُجُوبِ التَّحْلِيفِ فَيَنْظُرُ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَى الطِّفْلِ وَمَنْ فِي مَعْنَاهُ مِنْ غَائِبٍ وَمَجْنُونٍ لَا يُعْمَلُ بِهَا حَتَّى يَحْلِفَ مُقِيمُهَا عَلَى الْمُسْقِطَاتِ الَّتِي يَتَصَوَّرُ دَعْوَاهَا مِنْ الْغَائِبِ، وَمَنْ فِي مَعْنَاهُ فَلَمْ تَتِمَّ الْحُجَّةُ الَّتِي يَعْمَلُ بِهَا فَإِنَّهُ لَا يَعْمَلُ بِالْبَيِّنَةِ وَحْدَهَا، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْبَيِّنَةِ وَالْيَمِينِ. تَنْبِيهٌ: لَوْ سَأَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ تَحْلِيفَ الْوَكِيلِ الَّذِي ادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ مُوَكِّلَهُ أَبْرَأَهُ مِنْ الْحَقِّ. أُجِيبَ إلَيْهِ، قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا يُخَالِفُ مَا سَبَقَ مِنْ أَنَّ الْوَكِيلَ لَا يَحْلِفُ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَحْلِيفِهِ هُنَا تَحْلِيفُهُ ثَمَّ؛ لِأَنَّ تَحْلِيفَهُ هُنَا إنَّمَا جَاءَ مِنْ جِهَةِ دَعْوَى صَحِيحَةٍ يَقْتَضِي اعْتِرَافُهُ بِهِ سُقُوطَ مُطَالَبَتِهِ لِخُرُوجِهِ بِاعْتِرَافِهِ فِيهَا عَنْ الْوَكَالَةِ فِي الْخُصُومَةِ بِخِلَافِ يَمِينِ الِاسْتِظْهَارِ، فَإِنَّ حَاصِلَهَا أَنَّ الْمَالَ ثَابِتٌ فِي ذِمَّةِ الْغَائِبِ أَوْ الْمَيِّتِ، وَهَذَا لَا يَتَأَتَّى مِنْ الْوَكِيلِ، وَفِي مَعْنَى الْإِبْرَاءِ دَعْوَى عِلْمِهِ بِالْوَفَاءِ وَنَحْوِهِ. فُرُوعٌ: لَوْ قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ: أَنْتَ وَكِيلُ فُلَانٍ الْغَائِبِ وَلِي عَلَيْهِ كَذَا وَادَّعَى عَلَيْكَ وَأُقِيمَ بِهِ بَيِّنَةٌ فَأَنْكَرَ الْوَكَالَةَ أَوْ قَالَ: لَا أَعْلَمُ أَنِّي وَكِيلٌ لَمْ تَقُمْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ بِأَنَّهُ وَكِيلُهُ؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ حَقٌّ لَهُ فَكَيْفَ تُقَامُ بَيِّنَةٌ بِهَا قَبْلَ دَعْوَاهُ، وَإِذَا عَلِمَ أَنَّهُ وَكِيلٌ وَأَرَادَ أَنْ لَا يُخَاصِمَ فَلْيَعْزِلْ نَفْسَهُ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ: لَا أَعْلَمُ أَنِّي وَكِيلٌ وَلَا يَقُولُ: لَسْتُ بِوَكِيلٍ فَيَكُونُ مُكَذِّبًا لِبَيِّنَةٍ قَدْ تَقُومُ عَلَيْهِ بِالْوَكَالَةِ.
المتن: وَإِذَا ثَبَتَ مَالٌ عَلَى غَائِبٍ وَلَهُ مَالٌ قَضَاهُ الْحَاكِمُ مِنْهُ، وَإِلَّا فَإِنْ سَأَلَ الْمُدَّعِي إنْهَاءَ الْحَالِ إلَى قَاضِي بَلَدِ الْغَائِبِ أَجَابَهُ فَيُنْهِي سَمَاعَ بَيِّنَةٍ لِيَحْكُمَ بِهَا ثُمَّ يَسْتَوْفِيَ الْمَالَ، أَوْ حُكْمًا لِيَسْتَوْفِيَ.
الشَّرْحُ: (وَإِذَا) (ثَبَتَ) عِنْدَ حَاكِمٍ (مَالٌ عَلَى غَائِبٍ) وَحَكَمَ بِهِ عَلَيْهِ (وَلَهُ مَالٌ) حَاضِرٌ وَطَلَبَهُ الْمُدَّعِي (قَضَاهُ الْحَاكِمُ مِنْهُ) لِأَنَّهُ حَقٌّ وَجَبَ عَلَيْهِ وَتَعَذَّرَ وَفَاؤُهُ مِنْ جِهَةِ مَنْ عَلَيْهِ فَقَامَ الْحَاكِمُ مَقَامَهُ كَمَا لَوْ كَانَ حَاضِرًا فَامْتَنَعَ. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ يَقْضِيه وَلَا يُطَالِبُ بِكَفِيلٍ وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الدَّفْعِ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لِلْغَائِبِ مَالٌ حَاضِرٌ (فَإِنْ سَأَلَ الْمُدَّعِي إنْهَاءَ الْحَالِ) مِنْ سَمَاعِ بَيِّنَةٍ أَوْ شَاهِدٍ وَيَمِينٍ بَعْدَ ثُبُوتِ عَدَالَةِ الشَّاهِدِ أَوْ سَأَلَ إنْهَاءَ حُكْمٍ (إلَى قَاضِي بَلَدِ الْغَائِبِ أَجَابَهُ) لِذَلِكَ إنْ عَلِمَ مَكَانَ الْغَائِبِ مُسَارَعَةً إلَى قَضَاءِ الْحُقُوقِ (فَيُنْهِي) إلَيْهِ (سَمَاعَ بَيِّنَةٍ لِيَحْكُمَ بِهَا ثُمَّ يَسْتَوْفِيَ الْمَالَ) وَيَكْتُبُ فِي صِفَةِ إنْهَائِهَا: سَمِعْتُ بَيِّنَةً عَادِلَةً قَامَتْ عِنْدِي بِأَنَّ لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ كَذَا فَأَحْكُمُ بِهَا وَهُوَ مَشْرُوطٌ بِبُعْدِ الْمَسَافَةِ كَمَا سَيَأْتِي (أَوْ) يُنْهِي إلَيْهِ (حُكْمًا) إنْ حَكَمَ (لِيَسْتَوْفِيَ) الْمَالَ، وَيُكْتَبُ فِي إنْهَاءِ الْحُكْمِ: قَامَتْ عِنْدِي بَيِّنَةٌ عَادِلَةٌ عَلَى فُلَانٍ لِفُلَانٍ بِكَذَا وَحَكَمْتُ لَهُ بِهِ فَاسْتَوْفِ حَقَّهُ، وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ قَدْ تَدْعُو لِذَلِكَ فَإِنَّ مَنْ لَهُ بَيِّنَةٌ فِي بَلَدٍ وَخَصْمُهُ فِي بَلَدٍ آخَرَ لَا يُمْكِنُهُ حَمْلُهَا إلَى بَلَدِ الْخَصْمِ وَلَا حَمْلُ الْخَصْمِ إلَى بَلَدِ الْبَيِّنَةِ فَيَضِيعُ الْحَقُّ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ بُعْدُ الْمَسَافَةِ كَمَا سَيَأْتِي. تَنْبِيهٌ: اعْلَمْ أَنَّ لِإِنْهَاءِ الْحَالِ إلَى قَاضِي بَلَدِ الْغَائِبِ ثَلَاثُ دَرَجَاتٍ: الْأُولَى: سَمَاعُ الْبَيِّنَةِ. وَالثَّانِيَةُ: قَوْلُ الْحَاكِمِ: ثَبَتَ عِنْدِي وَهِيَ تَسْتَلْزِمُ الْأُولَى بِخِلَافِ الْعَكْسِ. وَالثَّالِثَةُ: الْحُكْمُ بِالْحَقِّ وَهُوَ أَرْفَعُ الدَّرَجَاتِ وَتَسْتَلْزِمُ مَا قَبْلَهَا، وَحِينَئِذٍ فَاَلَّذِي يُرَتَّبُ عَلَيْهِ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ الْحُكْمُ هُوَ الثَّانِيَةُ لَا الْأُولَى. قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: فَإِذًا تَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ لَيْسَ بِمُحَرَّرٍ، وَقَوْلُهُ: إلَى قَاضِي بَلَدِ الْغَائِبِ يُوهِمُ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ مُعَيَّنًا وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكْتُبَ إلَى مَنْ يَصِلُ إلَيْهِ مِنْ قُضَاةِ الْمُسْلِمِينَ، فَمَنْ بَلَغَهُ عَمِلَ بِهِ، وَلَوْ كَتَبَ لِمُعَيَّنٍ فَشَهِدَ الشَّاهِدَانِ عِنْدَ غَيْرِهِ قَبِلَ شَهَادَتَهُمَا وَأَمْضَاهُ اعْتِمَادًا عَلَى الشَّهَادَةِ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ: سَمَاعُ بَيِّنَةٍ لِيَحْكُمَ بِهَا يُوهِمُ أَنَّهُ لَوْ سَمِعَ الْبَيِّنَةَ وَلَمْ يُعَدِّلْهَا وَفَوَّضَ تَعْدِيلَهَا إلَى الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ لَا يَجُوزُ وَلَيْسَ مُرَادًا، وَيُوهِمُ أَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ الْحَقُّ عِنْدَهُ بِعِلْمِهِ وَكَتَبَ لِيَقْضِيَ لَهُ بِمُوجِبِ عِلْمِهِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْعُدَّةِ فَقَالَ: لَا يَجُوزُ وَإِنْ جَوَّزْنَا الْقَضَاءَ بِالْعِلْمِ؛ لِأَنَّهُ مَا لَمْ يَحْكُمْ بِهِ هُوَ كَالشَّاهِدِ، وَالشَّهَادَةُ لَا تَتَأَدَّى بِالْكِتَابَةِ، وَفِي أَمَالِي السَّرَخْسِيِّ جَوَازُهُ، وَيَقْضِي بِهِ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ إذَا جَوَّزْنَا الْقَضَاءَ بِالْعِلْمِ؛ لِأَنَّ إخْبَارَهُ عَنْ عِلْمِهِ إخْبَارٌ عَنْ قِيَامِ الْحُجَّةِ فَلْيَكُنْ كَإِخْبَارِهِ عَنْ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَبِمَا قَالَهُ فِي الْعُدَّةِ جَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ الْأَصَحُّ الْمُعْتَمَدُ مَا قَالَهُ السَّرَخْسِيُّ ا هـ. وَهَذَا هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ أَصْلِ الرَّوْضَةِ. وَلِهَذَا قَالَ شَيْخُنَا مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ يَعْنِي ابْنَ الْمُقْرِي عَكْسَ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ أَصْلِهِ، وَلَعَلَّهُ سَبْقُ قَلَمٍ.
المتن: وَالْإِنْهَاءُ أَنْ يُشْهِدَ عَدْلَيْنِ بِذَلِكَ، وَيُسْتَحَبُّ كِتَابٌ بِهِ يَذْكُرُ فِيهِ مَا يَتَمَيَّزُ بِهِ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ، وَيَخْتِمُهُ، وَيَشْهَدَانِ عَلَيْهِ إنْ أَنْكَرَ، فَإِنْ قَالَ: لَسْتُ الْمُسَمَّى فِي الْكِتَابِ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ، وَعَلَى الْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ بِأَنَّ هَذَا الْمَكْتُوبَ اسْمُهُ وَنَسَبُهُ، فَإِنْ أَقَامَهَا فَقَالَ لَسْتُ الْمَحْكُومَ عَلَيْهِ لَزِمَهُ الْحُكْمُ إنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مُشَارِكٌ لَهُ فِي الِاسْمِ وَالصِّفَاتِ، وَإِنْ كَانَ أُحْضِرَ، فَإِنْ اعْتَرَفَ بِالْحَقِّ طُولِبَ وَتُرِكَ الْأَوَّلُ، وَإِلَّا بَعَثَ إلَى الْكَاتِبِ لِيَطْلُبَ مِنْ الشُّهُودِ زِيَادَةَ صِفَةٍ تُمَيِّزُهُ وَيَكْتُبُهَا ثَانِيًا.
الشَّرْحُ: (وَالْإِنْهَاءُ: أَنْ يُشْهِدَ عَدْلَيْنِ بِذَلِكَ) أَيْ بِسَمَاعِ الْبَيِّنَةِ خَاصَّةً، أَوْ بِالْحُكْمِ بِاسْتِيفَاءِ الْحَقِّ يُؤَدِّيَانِهِ عِنْدَ الْقَاضِي الْآخَرَ، وَلَوْ لَمْ يُشْهِدْهُمَا وَلَكِنْ أَنْشَأَ الْحُكْمَ بِحُضُورِهِمَا فَلَهُمَا أَنْ يَشْهَدَا عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يُشْهِدْهُمَا كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي (وَيُسْتَحَبُّ) مَعَ الْإِشْهَادِ (كِتَابٌ بِهِ) وَلَا يَجِبُ؛ لِأَنَّ الِاعْتِمَادَ عَلَى الشَّهَادَةِ، وَفَائِدَةُ الْكِتَابِ لِيَذْكُرَ الشَّاهِدُ الْحَالَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَنْسَاهُ (يَذْكُرُ فِيهِ مَا يَتَمَيَّزُ بِهِ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ) وَالْمَحْكُومُ لَهُ مِنْ اسْمِ كُلٍّ مِنْهُمَا وَكُنْيَتِهِ وَقَبِيلَتِهِ وَحِلْيَتِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ لِيَسْهُلَ التَّمْيِيزُ، وَيَذْكُرُ أَسْمَاءَ شُهُودِ الْكِتَابِ وَتَارِيخِهِ. تَنْبِيهٌ: كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ مَا يَتَمَيَّزُ بِهِ الْغَائِبُ بَدَلَ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ لِيَتَنَاوَلَ الثُّبُوتَ الْمُجَرَّدَ عَنْ الْحُكْمِ (وَيَخْتِمُهُ) أَيْ الْكِتَابَ نَدْبًا حِفْظًا لِلْكِتَابَةِ وَإِكْرَامًا لِلْمَكْتُوبِ إلَيْهِ، وَخَتْمُ الْكِتَابِ سُنَّةٌ مُتَّبَعَةٌ كَمَا قَالَهُ ابْنُ بَطَّالٍ شَارِحُ الْبُخَارِيِّ رَوَى الْبُخَارِيُّ: {أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُرْسِلُ كُتُبَهُ غَيْرَ مَخْتُومَةٍ، فَامْتَنَعَ بَعْضُهُمْ مِنْ قَبُولِهَا إلَّا مَخْتُومَةً، فَاتَّخَذَ خَاتَمًا وَنَقَشَ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ}، وَإِنَّمَا كَانُوا لَا يَقْرَءُونَ كِتَابًا غَيْرَ مَخْتُومٍ خَوْفًا عَلَى كَشْفِ أَسْرَارِهِمْ وَإِضَاعَةِ تَدْبِيرِهِمْ، وَيَكُونُ الْخَتْمُ بَعْدَ قِرَاءَتِهِ عَلَى الشَّاهِدِ بِحَضْرَتِهِ، وَيَقُولُ: أُشْهِدُكُمَا أَنِّي كَتَبْتُ إلَى فُلَانٍ بِمَا سَمِعْتُمَا، وَيَضَعَانِ خَطَّهُمَا فِيهِ، وَلَا يَكْفِي أَنْ يَقُولَ: أُشْهِدُكُمَا أَنَّ هَذَا خَطِّي وَأَنَّ مَا فِيهِ حُكْمِي مِنْ غَيْرِ قِرَاءَةٍ، وَيَدْفَعُ لِلشَّاهِدَيْنِ نُسْخَةً أُخْرَى بِلَا خَتْمٍ لِيُطَالِعَاهَا، وَيَتَذَاكَرَا عِنْدَ الْحَاجَةِ. وَمِنْ صِفَةِ الْكِتَابِ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ حَضَرَ - عَافَانَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ - فُلَانٌ، وَادَّعَى عَلَى فُلَانٍ الْغَائِبِ الْمُقِيمِ بِبَلَدِكَ بِالشَّيْءِ الْفُلَانِيِّ، وَأَقَامَ عَلَيْهِ شَاهِدَيْنِ هُمَا فُلَانٌ وَفُلَانٌ وَقَدْ عُدِّلَا عِنْدِي وَحَلَّفْتُ الْمُدَّعِي وَحَكَمْتُ لَهُ بِالْمَالِ فَسَأَلَنِي أَنْ أُكْتَبَ إلَيْكَ فِي ذَلِكَ فَأَجَبْتُهُ وَأَشْهَدْتُ بِالْكِتَابِ فُلَانًا وَفُلَانًا، وَيُسَنُّ أَنْ يَكْتُبَ اسْمَهُ وَاسْمَ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ فِي الْعِنْوَانِ أَيْضًا، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بَلَدَ الْغَائِبِ كَتَبَ الْكِتَابَ مُطْلَقًا إلَى كُلِّ مَنْ يَبْلُغُهُ مِنْ قُضَاةِ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ مَنْ بَلَغَهُ عَمِلَ بِهِ، وَيُشْتَرَطُ فِي شُهُودِ الْكِتَابِ وَالْحُكْمِ ظُهُورُ عَدَالَتِهِمْ عِنْدَ الْقَاضِي الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ، وَلَا تَثْبُتُ عَدَالَتُهُمْ عِنْدَهُ بِتَعْدِيلِ الْكَاتِبِ إيَّاهُمْ فِي الْأَصَحِّ، وَإِذَا حَمَلَا الْكِتَابَ إلَى بَلَدِ الْغَائِبِ أَخْرَجَاهُ إلَيْهِ لِيَقِفَ عَلَى مَا فِيهِ (وَيَشْهَدَانِ) عِنْدَ الْقَاضِي الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى مَا صَدَرَ مِنْ الْقَاضِي الْكَاتِبِ مِنْ الْحُكْمِ، أَوْ الثُّبُوتِ الْمُجَرَّدِ عَنْ الْحُكْمِ (إنْ أَنْكَرَ) الْخَصْمُ الْمُحْضَرُ لِلْقَاضِي الْحَقَّ الْمُدَّعَى بِهِ عَلَيْهِ (فَإِنْ) اعْتَرَفَ بِهِ أَلْزَمَهُ الْقَاضِي تَوْفِيَتَهُ، وَ (فَإِنْ قَالَ: لَسْتُ الْمُسَمَّى فِي) هَذَا (الْكِتَابِ) أَيْ الْمَكْتُوبِ (صُدِّقَ بِيَمِينِهِ) أَنَّهُ لَيْسَ الْمُسَمَّى فِيهِ؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ بِنَفْسِهِ وَالْأَصْلُ فَرَاغُ ذِمَّتِهِ، وَلَا يَكْفِي الْحَلِفُ عَلَى نَفْيِ اللُّزُومِ كَمَا فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ. نَعَمْ إنْ أَجَابَ بِلَا يَلْزَمُنِي شَيْءٌ وَأَرَادَ الْحَلِفَ عَلَيْهِ مُكِّنَ (وَعَلَى الْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ بِأَنَّ هَذَا الْمَكْتُوبَ اسْمُهُ وَنَسَبُهُ) لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ تَسْمِيَتِهِ بِهَذَا الِاسْمِ، هَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا بِهِ وَإِلَّا فَلَا يُفِيدُ إنْكَارُهُ، وَكَذَا إذَا شَهِدُوا عَلَى عَيْنِهِ أَنَّ الْقَاضِيَ الْكَاتِبَ حُكِمَ عَلَيْهِ فَيُسْتَوْفَى مِنْهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهَذِهِ الْبَيِّنَةُ يَكْفِي فِيهَا الْعَدَالَةُ الظَّاهِرَةُ، وَلَا يُبَالَغُ فِي الْبَحْثِ وَالِاسْتِزْكَاءِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ الشَّهَادَاتِ (فَإِنْ أَقَامَهَا) أَيْ أَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ بِأَنَّ الْمَكْتُوبَ فِي الْكِتَابِ اسْمُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَنَسَبُهُ (فَقَالَ) الْغَائِبُ صَحِيحٌ مَا قَامَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ، لَكِنْ (لَسْتُ الْمَحْكُومَ عَلَيْهِ) بِهَذَا الْحَقِّ (لَزِمَهُ الْحُكْمُ) بِمَا قَامَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ وَلَمْ يُتَلَفَّتْ لِقَوْلِهِ (إنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ) شَخْصٌ آخَرُ (مُشَارِكٌ لَهُ فِي الِاسْمِ وَالصِّفَاتِ) الْمَذْكُورَةِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ (وَإِنْ كَانَ) هُنَاكَ مُشَارِكٌ لَهُ فِيمَا ذُكِرَ وَقَدْ مَاتَ بَعْدَ الْحُكْمِ وَقَعَ الْإِشْكَالُ، وَإِنْ مَاتَ قَبْلَهُ فَإِنْ لَمْ يُعَاصِرْهُ فَلَا إشْكَالَ، وَإِنْ عَاصَرَهُ وَكَانَ حَاضِرًا (أُحْضِرَ، فَإِنْ اعْتَرَفَ) الْمُشَارِكُ لَهُ (بِالْحَقِّ طُولِبَ) بِهِ (وَتُرِكَ الْأَوَّلُ) لِبَيَانِ أَنَّ الْغَلَطَ فِيهِ. تَنْبِيهٌ: هَذَا إذَا صَدَّقَهُ الْمُدَّعِي، وَإِلَّا فَهِيَ مَسْأَلَةٌ مَا إذَا كَذَبَ الْمُقِرُّ لَهُ وَقَدْ سَبَقْتُ فِي الْإِقْرَارِ كَمَا قَالَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَعْتَرِفْ الْمُشَارِكُ لَهُ بِالْحَقِّ (بَعَثَ) الْقَاضِي الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ (إلَى) الْقَاضِي (الْكَاتِبِ لِيَطْلُبَ مِنْ الشُّهُودِ زِيَادَةَ صِفَةٍ تُمَيِّزُهُ) أَيْ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ (وَيَكْتُبُهَا ثَانِيًا) وَيُنْهِيهَا لِبَلَدِ الْغَائِبِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ زِيَادَةً عَلَى الصِّفَاتِ الْمَكْتُوبَةِ وَقَفَ الْأَمْرُ حَتَّى يَنْكَشِفَ بِتَمْيِيزِ شُهُودِ الْأَصْلِ بِالْإِشَارَةِ إلَيْهِ. تَنْبِيهٌ: يُعْتَبَرُ مَعَ الْمُعَاصَرَةِ إمْكَانُ الْمُعَامَلَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالْجُرْجَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الِاقْتِصَارُ عَلَى كِتَابَةِ الصِّفَةِ الْمُمَيِّزَةِ مِنْ غَيْرِ حُكْمٍ وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: لَا بُدَّ مِنْ حُكْمٍ مُسْتَأْنَفٍ عَلَى الْمَوْصُوفِ بِالصِّفَةِ الزَّائِدَةِ وَإِنْ لَمْ يَحْتَجْ لِدَعْوَى وَحَلِفٍ.
المتن: وَلَوْ حَضَرَ قَاضِي بَلَدِ الْغَائِبِ بِبَلَدِ الْحَاكِمِ فَشَافَهَهُ بِحُكْمِهِ فَفِي إمْضَائِهِ إذَا عَادَ إلَى وِلَايَتِهِ خِلَافُ الْقَضَاءِ بِعِلْمِهِ، وَلَوْ نَادَاهُ فِي طَرَفَيْ وِلَايَتِهِمَا أَمْضَاهُ، وَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى سَمَاعِ بَيِّنَةٍ كَتَبَ سَمِعْتُ بَيِّنَةً عَلَى فُلَانٍ، وَيُسَمِّيهَا الْقَاضِي إنْ لَمْ يُعَدِّلْهَا، وَإِلَّا فَالْأَصَحُّ جَوَازُ تَرْكِ التَّسْمِيَةِ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ) (حَضَرَ قَاضِي بَلَدِ الْغَائِبِ بِبَلَدِ الْحَاكِمِ) لِلْمُدَّعِي الْحَاضِرِ (فَشَافَهَهُ بِحُكْمِهِ) عَلَى الْغَائِبِ (فَفِي إمْضَائِهِ) أَيْ تَنْفِيذِهِ (إذَا عَادَ إلَى) مَحِلِّ (وِلَايَتِهِ خِلَافُ الْقَضَاءِ بِعِلْمِهِ) وَقَدْ مَرَّ فَيَحْكُمُ، وَخَرَجَ بِبَلَدِ الْحَاكِمِ مَا لَوْ اجْتَمَعَا فِي غَيْرِ بَلَدِهِمَا وَأَخْبَرَهُ بِحُكْمِهِ فَلَيْسَ لَهُ إمْضَاؤُهُ إذَا عَادَ لِمَحِلِّ وِلَايَتِهِ، وَبِحُكْمِهِ مَا لَوْ شَافَهَهُ بِسَمَاعِ الْبَيِّنَةِ فَقَطْ فَلَا يَقْضِي بِهَا إذَا عَادَ إلَى مَحِلِّ وِلَايَتِهِ جَزْمًا كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ، وَلَا يَتَخَرَّجُ عَلَى الْقَضَاءِ بِالْعِلْمِ، وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ هُنَا، وَالْفَرْقُ أَنَّ قَوْلَهُ فِي مَحِلِّ وِلَايَتِهِ حَكَمْتُ بِكَذَا يَحْصُلُ لِلسَّامِعِ بِهِ عِلْمٌ بِالْحُكْمِ؛ لِأَنَّهُ صَالِحٌ لِلْإِنْشَاءِ فِي تَخْرِيجِهِ عَلَى الْقَضَاءِ بِالْعِلْمِ، بِخِلَافِ سَمَاعِ الشَّهَادَةِ، فَإِنَّ الْإِخْبَارَ بِهِ لَا يُحَصِّلُ عِلْمًا بِوُقُوعِهِ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَسْلُكَ بِهِ مَسْلَكَ الشَّهَادَةِ، فَاخْتَصَّ سَمَاعُهَا بِمَحِلِّ الْوِلَايَةِ (وَلَوْ نَادَاهُ) وَهُمَا كَائِنَانِ (فِي طَرَفَيْ وِلَايَتِهِمَا) أَيْ قَالَ قَاضِي بَلَدِ الْحَاضِرِ وَهُوَ فِي طَرَفِ وِلَايَتِهِ لِقَاضِي بَلَدِ الْغَائِبِ فِي طَرَفِ وِلَايَتِهِ حَكَمْتُ بِكَذَا عَلَى فُلَانٍ الَّذِي بِبَلَدِكَ (أَمْضَاهُ) أَيْ نَفَّذَهُ؛ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ مِنْ الشَّهَادَةِ وَالْكِتَابَةِ فِي الِاعْتِمَادِ عَلَيْهِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ فِي الْبَلَدِ قَاضِيَانِ وَقَالَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ: إنِّي حَكَمْتُ بِكَذَا فَإِنَّهُ يُمْضِيهِ إذَا أَخْبَرَهُ بِهِ نَائِبُهُ فِي الْبَلَدِ وَعَكْسِهِ (وَإِنْ اقْتَصَرَ) الْقَاضِي الْكَاتِبُ (عَلَى سَمَاعِ بَيِّنَةٍ) بِلَا حُكْمٍ (كَتَبَ) بِهَا إلَى بَلَدِ الْغَائِبِ فَيَقُولُ فِي كِتَابِهِ لَهُ (سَمِعْتُ بَيِّنَةً عَلَى فُلَانٍ) ابْنِ فُلَانٍ وَيَصِفُهُ بِمَا يُمَيِّزُهُ بِهِ بِكَذَا وَكَذَا لِيَتَوَلَّى الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ الْحُكْمَ عَلَيْهِ (وَيُسَمِّيهَا الْقَاضِي) الْكَاتِبُ حَتْمًا وَيَرْفَعُ فِي نَسَبِهَا (إنْ لَمْ يُعَدِّلْهَا) لِيَبْحَثَ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ عَنْ عَدَالَتِهَا وَغَيْرِهَا حَتَّى يَحْكُمَ بِهَا (وَإِلَّا) بِأَنْ عَدَّلَهَا (فَالْأَصَحُّ جَوَازُ تَرْكِ التَّسْمِيَةِ) لِلْبَيِّنَةِ وَيَأْخُذُ الْقَاضِي الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ اكْتِفَاءً بِتَعْدِيلِ الْقَاضِي الْكَاتِبِ لَهَا مِنْ غَيْرِ إعَادَةِ تَعْدِيلِهَا كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ الْقِيَاسُ، وَصَوَّبَهُ الْمُصَنِّفُ كَمَا يُسْتَغْنَى عَنْ تَسْمِيَةِ الشُّهُودِ. وَالثَّانِي: الْمَنْعُ؛ لِأَنَّ الْآخَرَ إنَّمَا يَقْضِي بِقَوْلِهِمْ.
المتن: وَالْكِتَابُ بِالْحُكْمِ يَمْضِي مَعَ قُرْبِ الْمَسَافَةِ وَ بِسَمَاعِ الْبَيِّنَةِ لَا يُقْبَلُ عَلَى الصَّحِيحِ إلَّا فِي مَسَافَةِ قَبُولِ شَهَادَةٍ عَلَى شَهَادَةٍ.
الشَّرْحُ:
تَنْبِيهٌ: لَوْ أَقَامَ الْخَصْمُ بَيِّنَةً بِجَرْحِ الشُّهُودِ قُدِّمَتْ عَلَى بَيِّنَةِ التَّعْدِيلِ، وَلِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ الِاسْتِمْهَالُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لِيُقِيمَ بَيِّنَةَ الْجَرْحِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ: أَبْرَأَنِي أَوْ قَضَيْتُ الْحَقَّ وَاسْتُمْهِلَ لِقِيَامِ الْبَيِّنَةِ، فَلَوْ قَالَ: أَمْهِلُونِي حَتَّى أَذْهَبَ إلَى بَلَدِهِمْ وَأَجْرَحَهُمْ فَإِنِّي لَا أَتَمَكَّنُ مِنْ جَرْحِهِمْ إلَّا هُنَاكَ، أَوْ قَالَ: لِي بَيِّنَةٌ هُنَاكَ دَافِعَةٌ لَمْ يُمْهَلْ، بَلْ يُؤْخَذُ الْحَقُّ مِنْهُ، فَإِنْ أَثْبَتَ جَرْحًا أَوْ دَفْعًا اسْتَرَدَّ، وَجَمِيعُ مَا سَبَقَ حَيْثُ الْحُجَّةُ شَاهِدَانِ، فَإِذَا كَانَتْ شَاهِدًا وَيَمِينًا أَوْ يَمِينًا مَرْدُودَةً وَجَبَ بَيَانُهَا، فَقَدْ لَا يَكُونُ ذَلِكَ حُجَّةً عِنْدَ الْمَنْهِيِّ إلَيْهِ (وَالْكِتَابُ) أَوْ الْإِنْهَاءُ بِدُونِهِ (بِالْحُكْمِ) (يَمْضِي مَعَ قُرْبِ الْمَسَافَةِ) وَبُعْدِهَا كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ لِفَهْمِهِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى (وَ) الْكِتَابُ (بِسَمَاعِ الْبَيِّنَةِ) فَقَطْ (لَا يُقْبَلُ عَلَى الصَّحِيحِ إلَّا فِي مَسَافَةِ قَبُولِ شَهَادَةٍ عَلَى شَهَادَةٍ) وَهِيَ كَمَا سَيَأْتِي مَا فَوْقَ مَسَافَةِ الْعَدْوَى الْمُعْتَبَرَةِ بِأَنَّهَا الَّتِي يَرْجِعُ مِنْهَا الْمُبَكِّرُ لِمَوْضِعِهِ لَيْلًا لَا الْمُعْتَبَرَةُ بِمَسَافَةِ الْقَصْرِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَالثَّانِي يُقْبَلُ مَعَ قُرْبِ الْمَسَافَةِ أَيْضًا، وَفَارَقَ عَلَى الْأَوَّلِ الْإِنْهَاءَ بِالْحُكْمِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ قَدْ تَمَّ وَلَمْ يَبْقَ إلَّا الِاسْتِيفَاءُ بِخِلَافِ سَمَاعِ الْحُجَّةِ، إذْ يَسْهُلُ اخْتِصَارُهَا مَعَ الْقُرْبِ وَالْعِبْرَةُ فِي الْمَسَافَةِ بِمَا بَيْنَ الْقَاضِيَيْنِ، لَا بِمَا بَيْنَ الْقَاضِي الْمَنْهِيِّ وَالْغَرِيمِ.
|